يوماً بعد يوم، تزيد عالمياً نسبةُ التعدّي الجنسي على الأطفال. وكذلك الحال في لبنان، لاسيما أنّ الفقر وتدنّي مستوى المعيشة والنزوح هي من أهم المحفّزات لهذا الجرم. فما علاقة الاغتصاب بأمراض القلب؟ وما هي الاضطرابات التي تؤكد تعرّض الطفل لهذا الجرم؟
 

لا شك في أنّ الاعتداء الجنسي على الطفل هو من أسوأ التجارب التي يتعرّض لها، تاركاً آثاراً جسدية ونفسية مدمّرة تلازمه طيلة حياته اذا لم تعالج بالشكل الملائم.

ولأنّ هذه المشكلة منتشرة في العالم ككلّ وتشغل كافة المجتمعات، كان لـ«الجمهورية» حديث خاص مع الاختصاصية في علم الجريمة فيرونيك بدر التي استهلّت حديثها قائلةً: «أولاً من المهم معرفة أنّ مصطلح الاعتداء الجنسي واسعُ الانتشار ويشمل التحرّش الجنسي، الاعتداء الجنسي، الاستغلال الجنسي والاغتصاب. في ما يخصّ الاعتداء الجنسي، يمكن أن يكون من داخل الاسرة نفسها (الأم، الأب، الاخوة، الجدّات والأجداد) أو من خارجها.

وهنا نميّز اشكالاً مختلفة من الاعتداءات أبرزها: دعارة القاصر التي تحصل جراء تدنّي مستوى التعليم أو تدمير العائلة، فيجبرونه على العمل بالدعارة، تمثيل افلام اباحية من قبل القاصرين وبيعها لأشخاص يحبون استغلال الاطفال جنسياً (Pédophile)، والاعتداء النظري الذي يستغلّ فيه الكبار الطفل لغايات جنسية. اضافةً الى القبلات ذات الطابع الجنسي، المداعبات عن طريق لمس الأرداف والفخذين عند الاطفال، المضايقات والاتّصال الجنسي المباشر».

عوامل الخطر

لهذه الاعتداءات ظروف وعوامل واضحة تحفّزها، منها فردية واخرى بيئية، بحسب ما تكشفه بدر قائلةً: «تشمل الاسباب الفردية العمر لا سيما أنّ الاطفال لا يعرفون حقوقهم أو إمكاناتهم بالدفاع عن انفسهم، الجنس وبالطبع النساء هنّ الأكثر عرضة، الأيتام، المعوقون جسدياً أو عقلياً، ما يُعرف بالأقليات الجنسية كالمثليين والمتحوّلين جنسيّاً، والاطفال الذين يتميّزون بتاريخ عنف جنسي أي الذين وُلدوا نتيجة الاغتصاب.

بينما الأسباب البيئية فتتمحور حول الأسر ذات التربية الضعيفة والتي تعنّف الطفل بشكل عام، الفقر حيث يضطر الطفل الى العمل، حول الآباء المدمنين أو ذوي الاعاقة العقلية أو الاضطرابات النفسية، الحروب وفترة ما بعد الحرب والكوارث الطبيعية والنزوح وحياة الشارع وأماكن العمل والمدرسة».

الاغتصاب والقلب

في دراسة اجرتها الجمعية الأميركية لأمراض القلب، والتي تعدّ الأولى من نوعها من حيث ربط علاقة الاعتداء الجنسي على الأطفال وضيق الشريان الدماغي عن طريق التصلّب، تبيّن أنّ السيدات في منتصف العمر اللواتي تعرّضن للاعتداء الجنسي حين كنّ أطفالاً يمكن أن يصَبن لاحقاً بمرض تصلّب الشرايين الذي يمهّد لحدوث أمراض القلب أو السكتة الدماغية أو الجلطات بشكل عام.

الأمر نفسه ينطبق على الأطفال الذكور، الذين يتعرضون للاعتداء الجنسي في الطفولة تكون فرصتهم في الإصابة بأمراض القلب أكثر بثلاث مرات من أقرانهم الذين لم يتعرّضوا للاعتداء الجنسي.

إضطراباتٌ بارزة

الى ذلك، جملة من العوارض تظهر على الطفل وتؤشر إلى وجود تحرّش جنسي، منها التغيّر المفاجئ في سلوكه فيصبح عدوانياً، ظهور سلوكيات لا تتناسب مع سنّه، إهتزاز في العلاقة بينه وبين القائمين على رعايته، رفض نوعية معيّنة من الناس، التغيّر المفاجئ في الشعور تجاه اللعب مع بقية الأطفال.

وتشرح بدر عن «الاضطرابات النفسية التي تظهر على الطفل والتي تقسم الى قسمين، أولاً على المدى القصير حيث يمكن ملاحظة الخوف، الغضب، العجز، الاكتئاب، عدم احترام الذات، مشكلات في الأداء الاجتماعي وسوء السلوك الجنسي، وثانياً على المدى الطويل فنرى الاكتئاب واضحاً، الى سلوك تدميري للذات، القلق الجدي، الكوابيس واضطرابات النوم».

علاجات

عند التأكّد من وقوع اعتداء جنسي على الطفل من الضروري عرضه فوراً على الطبيب والاختصاصيين النفسيّين، لأنّ عملية الشفاء تستغرق وقتاً ومجهوداً كبيراً.

وتشرح بدر أنّه «توجد علاجات على المدى القصير وأخرى على المدى الطويل. ومن المفترض أن يبدأ العلاج الفردي في مرحلة الطوارئ ويستمرّ إلى أن تصبح الضحية مستقرة وقوية بما يكفي لتتبع شكلاً آخر من أشكال العلاج. خلال هذه الفترة، يكون الهدف النفسي الديناميكي للمعالج هو إقامة علاقة ثقة مع الطفل، فيقدّم العلاجُ الفردي لهم فرصةً للتعبير عن مشاعرهم والبدء في إعادة بناء صورة ذاتية صحّية.

بالنسبة لمعظم الضحايا الصغار، تستمرّ هذه الفترة ما بين أربعة إلى ستة أسابيع قبل أن يتحوّلوا إلى العلاج الجماعي (داخل مجموعة) حيث تكون نظرة المراهق إلى نفسه قد اصبحت أقوى ويمكنه مواجهة انتقادات زملائه بشكل أفضل، وتستمرّ معظم فترة هذه العلاجات من سنة إلى سنة ونصف.

وتوجد اشكال متنوّعة من العلاجات التي يخضع لها الضحية منها العلاج عن طريق الفن، علاج الأم وابنتها (في حال كانت ضحية والدها)، العلاج الأُسري».

من الضروري الانتباه لأيِّ علامة تحذيرية توضح الاعتداء، وملاحظة أيّ تغيّر يطرأ على سلوك الطفل، وتختم بدر ناصحةً «بضرورة ابلاغ المعنيّين في حال لاحظ أيُّ شخص الاعتداء أو شكّ فيه لحماية الطفل وتخليصه من هذه المعاناة، متمنّيةً «تطوير الوقاية الأوّلية المبكرة لمنع أيّ اعتداء، وﺗﻄﻮﻳﺮاﻟﻌﻤﻠﻴﺎت اﻟﻘﻀﺎﺋﻴﺔ ﻟﻸﻃﻔﺎل ذوي اﻟﺨﻄﻮرة اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ وايجاد اماكن بديلة وآمنة لهم».