يُعتبر الهذيان «Delirium»، مجموعة عوارض سريرية تشكل معاً متلازمة مشكلة صحية دون أن تكون مسبّبةً لها، كما أنه المسؤول ايضاً عن اضطرابات خطيرة في القدرات العقلية.
 
ورغم أنّ هذه الحالة خطيرة جدّاً الّا أنّها قد تعالج احياناً بنجاح. وللتعرّف أكثر على هذه المشكلة كان لـ«الجمهورية» حديث خاص مع البروفيسيور في العلوم النفسية والعقلية في جامعة «اوهايو» الأميركية، ومدير العيادات الخارجية للأطباء المقيمين في «Cleveland clinic akron» في «اوهايو» الدكتور عادل سليمان ابو زرعه الذي قال إنّ «الاطفال وكبار السن هم الاكثر عرضةً لهذا المرض. كما أنّ 30 في المئة من مرضى الامراض الداخلية يعانون من هذه الظاهرة، وترتفع النسبة حتى 70 في المئة في أقسام الجراحة لاسيما جراحة العظام والعناية الفائقة.‏ وللأسف فإنّ الاصابة لا تكتشف ولا تعرف غالباً، وبالتالي لا تعالج بشكل سريع، الأمر الذي قد يقود الى الموت».
 
الحوادث والتسمّم
 
يحدث الهذيان عند ضعف الإرسال والاستقبال الطبيعي للإشارات في دماغ المريض، بسبب مجموعة من العوامل التي تضعفه وتتسبّب بالخلل في نشاطه.
 
ويوضح د. ابو زرعه أنّه «من المعلوم ‏أنّ التهاب المسالك البولية والكلى هو الرقم واحد من ناحية المسبّبات، تليه التهابات الرئة عند كبار السن. ويحتل الانسحاب الدرجة الثانية، اي عندما يكون المريض مدمناً على الكحول أو على مواد مخدّرة، دون علم طبيبه المعالج.
 
كذلك، ‏القصور في وظيفة القلب وما ينتج عنه من نقص في توزيع الأوكسجين الذي يصل إلى الدماغ، فقر الدم الحاد وأمراض الرئة المزمنة، وخلل الهرمونات مثل الغدد الدرقية ‏والغدة البظرية. اضافةً الى ‏الخلل في حمض الدم الذي يجب ان تكون نسبته 7.4، وأيّ خلل في هذا الميزان يسبّب الهذيان، والخلل في مخزون الأملاح (النقص الحاد في الملح والبوتاسيوم) ‏الذي يُعتبر من اهم الاسباب لهذه الظاهرة المرضية، ونقص الفيتامينات لا سيما الـ»B1» و»B12».
 
وتلعب الحوادث التي ينتج عنها نزيف الرأس كالفالج أو تكلّس الأوعية الدموية، و‏الجروح المتعددة وكسورات العظم، و‏حالات التسمّم خصوصاً في المعادن الثقيلة مثل الزئبق ‏والرصاص (اصبحت نادرة بسبب عدم اسعمال هذه المواد في الحياة اليومية) دوراً في الاصابة.
 
تغيّرات سلوكية جدّية
 
سلسة من العوارض تظهر على المريض إثر اصابته بالهذيان، وتتمحور حول وعيه ومعرفته وسلوكياته. ويذكرها د. أبو زرعه على الشكل الآتي:
 
‏- ‏الانفصال عن الواقع والهذيان ‏والتخيّلات، حيث يتخيّل المريض أشياء أو أشخاصاً غير موجودين ويتكلم معهم أو يهاجهم دون وعي.
 
- ‏تشويش في الذاكرة والقوة المعرفية، ‏فيكون المريض غير قادر على التعرّف عما يدور حوله او أسماء الأشخاص بقربه، حتّى إنه لا يعرف اليوم والساعة والمكان والزمان حيث هو.
 
- السلوكيات غير الواعية، ‏حيث يتدخل بشكل غير واعٍ في علاجه من خلال سحب الأنابيب الأمصال ورفض الأدوية. ‏وفي ثلث الحالات ‏يحدث العكس تماماً حيث يبدو المريض وكأنه في غيبوبة، إذ إنه لا يتكلم ولا يحرّك أطرافه.
 
التغييرات السلوكية
 
• رؤية أشياء غير موجودة (هلوسة)
 
• التململ، أو الهياج، أو السلوك القتالي
 
• الصراخ، أو النواح، أو إصدار أصوات أخرى
 
• الهدوء والانسحاب لا سيما عند الأطفال
 
الأكبر سناً
 
• تباطؤ في الحركة أو الخمول
 
• عادات نوم مضطربة
 
• إنعكاس دورة النوم.
 
إضطرابات انفعالية
 
• القلق، أو الخوف، أو الذهان الكبريائي
 
• الاكتئاب
 
• العصبية أو الغضب
 
• إحساس الشعور بالسعادة (النشوة)
 
• لا مبالاة
 
• تحوّلات مزاجية سريعة وغير متوقعة
 
• تغييرات في الشخصية
 
هل يمكن استباقُ المرض؟
 
‏تشير الإحصاءات الأميركية والمجلات العلمية وجود اكثر من 80,000 دراسة في هذا الموضوع، ما يفسّر أهمّية التشخيص الصائب والمبكر لهذه الظاهرة. ‏وتسهّل الفحوصات السريرية كشف عوارض المرض باكراً ما يساعد أن يكون العلاج ناجحاً وسريعاً. ويخبر د. أبو زرعه عن العلاجات المطروحة في هذا الإطار:
 
• ‏العلاج الإستباقي: ‏بناءً على ما تقدّم، ‏من المهم تحديد نوعية المرضى الذين قد يتعرضون مستقبلاً لهذه ظاهرة، ‏لإعطاهم أدوية قبل خضوعهم لأيّ عمل جراحي، وبحسب الفحوصات والبحوث، إنّ هذه الخطوة تقلل من عدد الإصابات بالهذيان ‏حتى نسبة 80 في المئة.
 
•‏ العلاج البيئي: ‏الفصل بين الليل والنهار، وذلك من خلال إطفاء الأنوار خلال الليل، الّا أنّه قد يكون من الصعب تنفيذ ذلك في أقسام المستشفيات المتعددة. كذلك، يلعب بقاء ‏الأقارب بجانب المريض وتذكيره وتعريفه بدورهم في حياته دوراً اساسياً، لا سيما الأبناء والزوجة والزوج، ويفيد ‏تذكير المريض ايضاً باليوم والساعة والمكان وسبب تواجده في المستشفى.
 
• ‏العلاج الدوائي: ‏حتّى اليوم، ‏لم تُشر إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA)، الى ايّ دواء فعّال، ولكن يفيد إعطاء المريض جرعات خفيفة من أدوية: «Haloperidol» أو «risperidone olanzapine»، شرط الابتعاد نهائياً عن الأدوية التي تحتوي على مادة benzodiazepines (مثل الفاليوم)، اضافةً الى ‏رفع نسبة الأوكسجين في الدم إلى ما فوق التسعين في المئة».
 
الخرف
 
من جهة أخرى، يرتبط الخرف بالهذيان بشكل أو بآخر، ويشرح د. أبو زرعه هذه العلاقة قائلاً إنّ «الإصابة بالخرف قبل الإصابة بالهذيان يزيد من نسبته. كذلك، بعد خروج المريض من المستشفى يمكن أن يعاني من بعض الخرف، كنتيجة غير قابلة للارتداد، ما يفسّر أن تكون طول مدّة الهذيان سبباً رئيساً للخرف بعد المرض، لذلك يجب معالجته سريعاً او استباقه عبر التشخيص المبكر»، ناصحاً «عدم تقييد المريض بالسرير بل مساعدته على القيام منه وتحفيزه على الحركة، والإسراع قدر المستطاع في إخراجه من المستشفى، لانّ طول بقائه فيه مضرّ للمريض».