راج أخيراً اطلاق ألقاب وزارات سيادية على بعض الوزارات التي استطاع وزيرها المعني نقلها الى مستوى معين وحافظ من خلالها على هيبة الوزارة وواجباتها واستطاع اعطائها حجمًا لا يستهان به.
 

يعتبر البعض ان هناك وزارات سيادية (خدماتية) كونها تؤمن لهم وفي منطقة نفوذهم انجازات يمكن لهم صرفها في الانتخابات. وتبقى هذه الصفة في المطلق على علاقة مباشرة بالكيان الوطني. وقد تكون وزارة التخطيط التي عادت الى الضوء، سيادية بامتياز كونها وبما يمكن ان تحققه ان توفر على الدولة هدرًا كبيرًا نواجهه يوميًا وفي قطاعات البنى التحتية وفي ظل غياب التخطيط والتنسيق بين الوزارات.


وللعلم هذه الوزارة انشأت تحت ما يسمى وزارة التصميم وتضم اضافة الى الوزير المختص مجموعة اعضاء من ذوي العلم والكفاءة في مجال الاقتصاد والانماء والتخطيط. لكنها استبدلت بمجلس الانماء والاعمار وبعدها بمجلس الجنوب فأصبحت الدولة بلا وزارة واصبحت المجالس تتصرف وحسب ميولها بموارد عديدة باتت ترتد على الجميع غيابا في التنسيق ومعاناة يواجهها المواطن، وفي غياب الرقابة الفعلية على اعمال هذه المجالس. وللعلم، حتى وزارة الاشغال باتت سيادية وتصرف اموالها استنسابيًا وحسب الوزير الموجود فيها.


هذا ونحن في فترة مهمة جدًا سيما واننا على ابواب تشكيل حكومة تعتبر الحكومة الاولى للعهد بعد الانتخابات التي حصلت في ايار الماضي. واذا كان شعار العهد الاصلاح والتغيير ووقف الهدر فاستحداث وزارة التخطيط ضروري لما لها من اهمية وفعالية في رفع مستوى النمو الاقتصادي ومعيشة السكان بصورة متوازنة ودائمة. وقد يكون استحداثها على حين غفلة وبدون دراسة امر غير محبذ ويزيد في التساؤل عن خلفية المطالبة بها الآن واذا كانت هذه الخلفية استحداث فقط لوزارة «سيادية» بشكل مطلق.


اما عن اهميتها فإنها في الواقع ذات اهمية كبيرة فضلًا عن كونها ام الوزارات لما لها من شأن ودور مهم تلعبه في المشاريع والتخطيط والتنفيذ وتعيد النظر في تمركز المال والسلطة في مكان واحد. وللذين يتساءلون عن دور هذه الوزارة وللعلم فقط فان دورها محوري ويشمل امورا عدة باتت ضرورية في بلد تعددت فيه المجالس والمؤسسات والصناديق والوزارات والتي لم ينته عملها بعد وبات مشوبًا بالحيطة والحذر.

 

على سبيل المثال لا الحصر، وزارة المهجرين والتي لغايته صرفت فيها اموال طائلة دون ان يعود المهجرون او يقبضوا باقي حقوقهم. كذلك وزارة الشؤون والتي تحمي مؤسسات فرضية وهمية وتدفع لها اموال طائلة دون ان يكون لها اي حسيب او رقيب واقله دون التأكد من وجود هذه الجمعيات. لذلك نرى الوضع اليوم واكثر من اي وقت مضى بحاجة الى وزارة تخطيط شرط ألاّ تكون صورية بل ان تكون واقعًا مدروسًا وتناط بها المسؤوليات التي هي من صلب اهتمام هكذا وزارة وقد يكون اهم هذه المسؤوليات ما يلي:


- اجراء البحوث والدراسات الاقتصادية والاجتماعية واعداد استراتجيات التنمية.


- مراجعة وتطوير السياسات الاقتصادية طبقًا للاهداف واتجاهات الاصلاح الاقتصادي.


- اعداد الخطط الطويلة والمتوسطة والقصيرة الاجل لمشاركة الوزارات والقطاعات الحكومية والقطاع الخاص.


- اعداد سياسات وخطط التعاون مع المنظمات غير الحكومية المحلية والاجنبية والتنسيق مع الجهات ذات العلاقة.


- المشاركة والمشورة العلمية والرأي التقني في المجال الاقتصادي والاجتماعي لمختلف القطاعات الاقتصادية.


- مراقبة عمل وتقييم الاداء الاقتصادي لمختلف قطاعات الدولة.


- جمع وتصنيف البيانات اللازمة للتخطيط الاقتصادي وتحليلها وتنظيم الاستفادة منها في التخطيط والمتابعة والتقييم وتزويد مختلف الاجهزة المعنية بها.


هذه الامور هي مجموعة صغيرة من مهام توكل الى هكذا وزارة والامر الذي يعني اقفال الاحصاء المركزي وغيره. هذا شرط ضروري لقيام هكذا وزارة والا دخلنا في متاهة الدراسات المتعددة والخطط الاقتصادية التي توضع في الادراج دون ان نجد من يطبقها. واذا ما كانت الدولة حاضرة الآن للاستغناء عن مجلس الجنوب ومجلس الانماء والاعمار فما عليهم سوى استحداث هذه الوزارة التي باتت ضرورة في ظل ما نراه من تناقض في المشاريع وتلزيمها، وهذه الوزارة تعتبر البديل الواقعي لهذه المجالس وقالها بالحرف الواحد الدكتور قبلان قبلان في العام ٢٠٠٩ «لا بحث في الغاء مجلس الجنوب قبل تأمين البديل».

 

وهذا كلام حق اما البديل فهو هكذا وزارة تعنى بالعملية التنموية بشكل اجمالي عام دون ان تكون لها صفة طائفية باتت معروفة ان كان مع مجلس الجنوب او مع مجلس الانماء والاعمار، وما طُرح في موضوع احياء وزارة التخطيط، ليس بالشيء الجديد انما يعبّر عن نظرة شمولية لعملية النهوض بالدولة من جديد والخروج من مزاريب المحسوبية ولمناطقية والطائفية والارتقاء الى حساب سيادة الدولة.


يبقى السؤال، من ينبغي ان يتولى هذه المسؤولية، سيما وانها تتطلب اشخاصا ذوي اختصاص وكفاءة علمية مميزة ونزاهة لا ريب فيها ويمتلكون الخبرة في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والانمائية.


لذلك قد يكون وجودها ضرورة فعلية من اجل بلوغ الاهداف التي رسمها العهد لنفسه. انما استحداث هكذا وزارة دون دراسة وتخطيط تبقى عملية مشوبة بالحذر وتكلف الدولة مصاريف اضافية ولا تسهل في المطلق ما نصبو اليه من اجل تحقيق التنمية.


في المطلق، هذه الوزارة قد تكون اهم الوزارات في الدولة علمًا ان كل وزارة لها حيثيتها ويمكن ان تعطي الكثير اللهم اذا وجد الوزير القادر على جعلها سيادية.