لم تأتِ تطمينات المصرف المركزي في شأن الودائع المصرفية واستقرار سعر صرف العملة بالشيء الكثير، ولم يخبرنا ما لا نعرفه، علماً أنّ وضعية المصارف والليرة اللبنانية ليست في أحسن حالاتها كما يدّعون، وسعر صرف الليرة في السوق السوداء هو الغالب على الوضع.
 

مع الانهيار الحاصل، لا بدّ من القول إنّ اجتماع بعبدا المالي، والبيان الذي صدر عنه، أقصى ما يُقال عنه إنّه مبهم. ضوابط رأسمال ومنع التحويلات الى الخارج تدلّ الى أزمة سيولة تتفاقم، من اسبوع لآخر، حتى بات الامر أشبه بالتسوّل بالنسبة الى المودعين.

هذا المشهد ينطبق على مصرف لبنان، الذي استدان من المصارف مبالغ طائلة لمصلحة الدولة، والتي أمعنت بهذه الأموال سرقة وهدراً وفساداً. هذا الرهان تدفع المصارف والدولة والبنك المركزي ثمنه الآن، ويحاولون التهرّب من المودعين، الذين باتوا يعلمون علم اليقين أنّ ودائعهم ذهبت سدى، مع اشخاص لا يستحقون الثقة ودفعوا ثمن رهان المصارف على أنّ الدولة لا تفلس.

البلد يواجه اليوم حال أفلاس وعدم قدرة على إيفاء ديونه. والاموال التي أقرضتها المصارف للدولة أصبحت في خبر كان. هذا الامر واضح من خلال تغطية رهاناتهم الخاسرة بفرض قيود على التحويلات الى الخارج منعاً لهروب رؤوس الاموال. إلّا أننا نعلم أنّ مبالغ طائلة وبمليارات الدولارات خرجت من البلد لمصلحة أشخاص بتنا نعرفهم ونعرف ماضيهم وسوابقهم.

لذلك، نرى أنّ الوضع المالي والاقتصادي خطير جداً، والسياسيون في حال غيبوبة وتنصّل مما أوصلونا اليه مع سرقاتهم وفسادهم وهدرهم للمال العام دون حسيب أو رقيب، ورهاناتهم على انّ الشعب نائم ولا يوجد أحد للمحاسبة. لكن، وكما هو ظاهر، استفاق الشعب وطالب بتنحيهم والإتيان بحكومة اخصائيين نظيفي الكف.

الأمر الأكيد، انّ الذين حاولوا ركوب الثورة قدِموا متأخّرين ولم يستطيعوا النفاذ بفعلتهم طيلة هذه السنين، والأهم انّه في ظل هكذا حالة نرى مجلس الوزراء في حال غيبوبة تامة، وكأن الأمور ومفاعيلها لا تعنيه، في الوقت الذي يجب أن يكون مجلس الوزراء في حال انعقاد دائم وخلية نحل، لمواجهة الأمور الأمنية والاقتصادية والمالية.

يتحمّل الجميع مسؤولية ما يجري، الحكومة والبنك المركزي والمصارف كلها دون استثناء، وكل من حاول التهرّب نقول لهم انتم ايضاً مسؤولون تجاه الشعب وأمواله وخنتم الامانة. الأمر يستحق محاكمة من قِبل محاكم دولية كون الـPonzi Scheme يشبه ما قام به برنارد مادوف، والذي حُكم عليه بـ130 سنة سجن، واعتُبرت قضيته قضية «الولايات المتحدة الأميركية ضد برنارد مادوف».

بالمقارنة، قضيتنا تشبه الى حد بعيد ما فعله برنارد مادوف مع المستثمرين، حين انكشفت الأمور. وقد نقول إنّها قضية «الشعب اللبناني ضد دولته» كونها أكبر عملية سرقة للشعب في التاريخ الحديث.


الأمر الأكيد، أنّ المصارف تدفع ثمن غياب الثقة، وهذا يعني في ما يعنيه ضربة قاضية للقطاع المصرفي، الذي كان ولغاية فترة من الزمن، ركيزة الاستقرار الاقتصادي والمالي في البلد.

وما يجري الآن من عمليات تجاذب ومحاولة الالتفاف على أموال المودعين خير دليل أنّ الشعب فَقَد ثقته بهذا القطاع. ولمن قال إنّ الضوابط على حركة الأموال غير موجودة، فالكل يعلم أنّها موجودة وتُطبّق، مخالفة بذلك جميع الأعراف ومنتهكة حكماً قانون النقد والتسليف.

هكذا تبدو الأمور لغاية الآن، ضبابية مع حكومة تحاول الهروب من مسؤولياتها، ومودعين خائفين على جنى عمرهم ومدخراتهم، وفي غياب صارخ للدولة عمّا يجري، وكأننا في «لالالند»، الكل بخير ولا من مشكلة مطلقاً.

الأكيد أنّ الطبقة السياسية وبعد الاحتجاجات الكبيرة فقدت مصداقيتها وزعاماتها، وأصبحت تتلطّى وتحاول التنصّل من مسؤولياتها، في حين انّها مسؤولة بالدرجة الأولى عن كل ما جرى ويجري.

لبنان في أسوأ أزمة اقتصادية منذ الحرب بين عامي 1975-1990 مع ديون بلغت أرقاماً قياسية بنسبتها الى الناتج المحلي، ومع «أوسمة» الهدر والفساد الأعلى على مؤشر الفساد العالمي.

المخارج المُتاحة باتت قليلة، والاستحقاق يداهمنا وأموال المودعين غير مضمونة، وفي ظل أسواق صرف مضطربة للغاية، بما يعني أنّ أي حل قد يكون على حساب استنزاف آخر مليارات البنك المركزي، الأمر الذي يؤكّد للعالم أجمع أننا بتنا دولة مفلسة منهارة غير قادرة على تأمين حاجات شعبها الأساسية من دواء وخبز وبنزين، وفي غياب غير مسبوق لحكومة فشلت فشلاً ذريعاً حتى في ادارة الأزمة و تأخير وقوعها أو على الأقل الوقوع مع عواقب مخففة «Soft Landing».

هذه هي الصورة، والمطلوب الآن قبل كل شيء انشاء خلية أزمة تدير الشؤون المعيشية لشعب أصبحت نسبة الفقر عنده تتجاوز الـ30 بالمائة، ومع قوة شرائية ستنهار حتماً مع ارتفاع أسعار الصرف.