تشكّل «العقدة السنّية» واحدة من العقد المستعصية التي قد تؤخّر تأليف الحكومة الجديدة، خصوصاً أنها تتصل بمصالح الرئيس سعد الحريري المباشرة حيث سيحاول أن يقاوم حتى الرمق السياسي الأخير مطلبَ توزير ما يُعرف بـ«سنّة 8 آذار» أو أولئك المتموضعين خارج تيار «المستقبل»، على رغم فوزهم في الانتخابات الأخيرة بعشرة مقاعد نيابية، تستوجب تمثيلهم بوزيرَين على الأقل.
 

لن يهضم الحريري بسهولة فكرة «اقتطاع» مقعدَين وزاريَّين من اصل ستة، لمصلحة الفريق السنّي الحليف او الصديق لـ»حزب الله». بالنسبة اليه، يمكن أن ينطوي هذا «الدفرسوار» في الحصة السنّية داخل الحكومة على تحجيمٍ لنفوذه، سواءٌ في مجلس الوزراء او في بيئته. إنها كأسٌ مرّة، سيسعى الحريري جاهداً الى تفادي تجرّعها، مستفيداً من توزّع النواب السنّة «المتمايزين» على عدد من الكتل، الأمر الذي يمنحه كما يعتقد هامشاً للمناورة وللتعاطي معهم «بالمفرّق»، وصولاً الى التملّص من دفع ضريبة تمثيلهم في الحكومة المقبلة، وما يعنيه من تكريس لتوازنات جديدة في الحكومة والطائفة.


لكنّ سعيَ الرئيس المكلف الى «التهرّب الضريبي» سيصطدم على الارجح بإصرار «حزب الله» وحركة «أمل» على حماية حقّ حلفائهما السنّة في تمثيل وزاري، يحاكي نتائج الانتخابات النيابية التي يُفترض احترامُها وتأليف الحكومة الجديدة على أساسها.


ويعتبر النواب السنّة، الموجودون خارج «المستقبل»، أنّ تمثيلهم في الحكومة بوزيرَين في الحدّ الأدنى يجب أن يكون حتميّاً و»إلزاميّاً»، بمعزل عن عواطف الحريري المعروفة وحساباته الشخصية، وهناك في أوساطهم مَن دخل في التفاصيل مشيراً الى أنّ الأولويّة هي لنيل حقيبتين هما، واحدة خدماتية عادية، وأخرى أساسية تتأرجح بين وزارات «الاتصالات» و»الأشغال» و»الطاقة».


وتربط أوساط هؤلاء النواب هذا الطرح بالحيثيات الآتية:


- إنّ فريقاً مكوَّناً من 10 نواب يستحق مقعدَين وزاريَّين، خصوصاً بعدما أنصفته النسبية وأثبتت أنه يملك حيثية شعبية واسعة لا يجوز الاستمرار في تجاهلها، كما كان يحصل أيامَ القانون الأكثري الذي ضرب صحة التمثيل واختزله ببضع محادل وبوسطات.
- إنّ هواجس الحريري ليست في محلّها، لأنّ غالبية النواب السنّة الذين عُرفوا بمعارضتهم له قبل انتخابهم، تجاوزوا بعد فوزهم ملاحظاتهم واعتراضاتهم السابقة عليه، وبادروا الى تسميته في استشارات التكليف لإعطائه فرصة جديدة، ما يستوجب منه ملاقاة هذه الإيجابية والنية الحسنة والردّ على التحية بمثلها.
- إنّ الحريري الذي أعلن بعد تكليفه عن مدّ يده الى الجميع مُطالبٌ بترجمة هذا الموقف سلوكاً عملياً، على قاعدة أنّ النواب السنّة غير المنتمين الى «المستقبل» هم جزءٌ من «الجميع»، وبالتالي يُفترض به الانفتاح عليهم والاعتراف بحيثياتهم التمثيلية بلا مكابرة.
- إنّ الحريري معنيٌّ بحماية ظهره وتأمين أوسع إحتضان له في طائفته أولاً، قبل أن يبحث عن التفاهم مع الطوائف الأخرى، سواءٌ على الحصص الوزارية أو على السياسات العامة، وهو كلما كان محصَّناً في بيئته ازدادت أوراقُ القوة لديه وارتفعت أسهم نجاحه في مهمته.
- إنّ الحكومة المقبلة يمكن أن تكتسبَ علامتها الفارقة وقيمتها المضافة من خلال ضخّ دم جديد في عروقها وتوزير وجوه غير مستهلكة ومحروقة وتوحي بالصدقيّة والثقة، وإلّا فإنّ أيّ تركيبة ستكون امتداداً لما سبقها.
- إنّ الحريري سيكتشف أنّ الوزيرَين السنّيَين المتمايزَين عن «المستقبل» سيكونان حليفين له في معركة مكافحة الفساد وبناء الدولة إذا كان جاداً وصادقاً في خوض تلك المعركة.


ويقول النائب فيصل كرامي لـ«الجمهورية» إنه لم يسمع من الحريري عندما التقاه خلال الاستشارات النيابية موقفاً سلبياً من مبدأ التمثيل الوزاري للنواب السنّة الذين لا ينتمون الى كتلته، لكنّ العبرة تبقى في التنفيذ، منبِّهاً الى «أنّ عدم تمثيلنا في الحكومة سيكون بمثابة استهداف غير مبرَّر لنا علىى يد الحريري، وعندها سيُبنى على الشيء مقتضاه». ويضيف: «ليس هناك من حكمة ولا مصلحة في أن يستعدينا الحريري مجاناً، ونحن معه في مكافحة الفساد وحماية الاستقرار، وهو إذا أراد أن يمدّ يداً نحونا فنحن سنمدّ اليدَين، أما إذا لم يفعل فسيخسر فرصة تحقيق انطلاقة قوية لحكومته الثانية في هذا العهد، والأولى وفق تصنيف الرئيس ميشال عون»..


ويرفض كرامي الطرح الداعي الى إعطاء رئيس الجمهورية ميشال عون حصة وزارية يُدرج من ضمنها وزير سنّي لا ينتمي الى «المستقبل»، وإلّا يصبح عندها من حقّ رئيسَي المجلس النيابي والحكومة الحصول ايضاً على حصة مماثلة، مشيراً الى «أنّ هناك خطاً وهمياً يفصل بين عون والكتلتين النيابية والوزارية لـ»التيار الوطني الحر»، بحيث ينتفي أيَّ سبب حقيقي ومُقنع لتخصيص رئيس الجمهورية بتمثيل وزاري، بينما هو الرئيس غير المعلن لكتلتي التيار».


ويلفت كرامي الى «أنّ الانتخابات خلطت الأوراق ولا يوجد حالياً خطٌّ فاصل واضح بين المعارضة والموالاة، وبالتالي ليس صحيحاً تصنيفنا في الوقت الحاضر بأننا معارضة سنّية، خصوصاً بعدما سمّى بعضنا الحريري، وانا منهم، لرئاسة الحكومة، ولذا لا مبرّر لديه لوضع «فيتو» علينا، مع العلم أنه لم يبلغنا مباشرة بشيء من هذا القبيل حتى الآن»، مشدّداً على «ضرورة أن يؤخذ في الاعتبار خلال تأليف الحكومة أنّ مكوّنات جديدة دخلت الى مجلس النواب».


وهل أنت مرشّح للتوزير؟ يجيب كرامي: «قبل أن أصبح نائباً عُينت وزيراً، وبالتالي فإنّ اسمي مطروحٌ تلقائياً لدخول الحكومة الجديدة بعد فوزي في الانتخابات».