خرج حزب الكتائب من الانتخابات مثخنا بالجراح. هو الخاسر الأكبر بين الأحزاب السياسية التي سبقته بأشواط، وتحديدا على الساحة المسيحية الموزعة بين حزبين كبيرين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية بعد «اندثار المستقلين». المسؤول عن الملف الانتخابي في الكتائب باتريك ريشا قدم استقالته. مسؤولو الحزب يعترفون بأن النتائج جاءت مخيبة للآمال. فالكتلة النيابية التي كان أعضاؤها خمسة أصبحت الآن ثلاثة: رئيس الحزب سامي الجميل الذي صب كل تركيزه على المتن وأن يكون الأول في الأصوات التفضيلية، ونديم الجميل الذي نجح لأنه ابن الرئيس الشهيد بشير الجميل أكثر من أي شيء آخر، والياس حنكش الذي كان «فلتة الشوط» في المتن وبفعل الكسر الأعلى.
 
حزب الكتائب يعيش أجواء الصدمة والخيبة بعدما كشف القانون «النسبي التفضيلي» عن حجمه الشعبي «بالأرقام»، وبعدما أظهرت الانتخابات أن الخيارات والسياسات التي انتهجها النائب سامي الجميل غير قابلة للتسويق والصرف شعبيا، ولم تعكس «نبض» الناس والرأي العام. ولأن الأزمة التي يواجهها الحزب خرجت الى العلن وباتت مكشوفة، فإنها فرضت على قيادة الحزب إجراء مراجعة نقدية شاملة.
 
مصادر سياسية مطلعة على أجواء حزب الكتائب ومتابعة لمساره، تعتبر أن الخسارة الثقيلة في الانتخابات تقف وراءها جملة أسباب وأخطاء سياسية وانتخابية هي:
 
1- خطأ الخروج من حكومة العهد الأولى، والذي كان سبقه خطأ الاستقالة من حكومة إدارة الفراغ الرئاسي، حكومة تمام سلام. وإذا كان حزب الكتائب فاجأ كثيرين بأنه عارض التسوية الرئاسية ولم يصوت للرئيس الذي حصل عليه توافق شبه عام وأيده الطرفان الأبرز في ١٤ آذار، فإنه فاجأ الجميع بعدم وجوده في حكومة التسوية ليضع نفسه في المعارضة أو يوضع فيها بسياسة «إحراج للإخراج». هذا الخروج من حكومة ما قبل الانتخابات ساهم في حرمان الكتائب من ورقة الخدمات وأضعف تأثيرها ونفوذها من خارج السلطة.
٢- خوض الحملة الانتخابية في اتجاه وعلى أساس «مبدئي». وإبرام التحالفات في اتجاه آخر وعلى أساس «مصلحي»… رئيس الكتائب بنى حملته الانتخابية على أساس معارضة السلطة وفسادها السياسي والأخلاقي والرهان على المجتمع المدني وركوب موجته، لينتهي الأمر الى مهادنة السلطة.
 
الكتائب فاوضت لأشهر اللواء أشرف ريفي والمجتمع المدني لترتيب لوائح في الأشرفية والشمال وزحلة والشوف، وانتهى الأمر في ربع الساعة الأخير الى إبرام «تحالفات قسرية» في أكثر من دائرة مع القوات اللبنانية، والى أن يترك المجتمع المدني لمصيره ويتدبر أمره.
 
٣- سوء الأداء الانتخابي أو إدارة العملية الانتخابية في تركيب التحالفات واللوائح. فقد تحالفت الكتائب مع القوات في الدوائر التي لا إمكانية فيها للفوز مثل زحلة والشمال الثالثة، وأحجمت عن التحالف مع القوات في الدوائر التي كان فيها الفوز متاحا وفي متناول اليد مثل بعبدا وكسروان جبيل. وحتى في دائرة المتن كان بإمكان تحالف الكتائب والقوات أن يؤمن ٤ حواصل انتخابية لائحة ويعطي الكتائب بشكل مؤكد وصريح مقعدان وبشكل محتمل ثلاثة مقاعد.
 
توصلت الكتائب في قراءة ذاتية نقدية للانتخابات الى جملة استنتاجات تتعلق بمزاج الناس ومدى تفاعلهم مع طروحاتها، وبثغرات موجودة على مستوى العلاقة بين الحزب وقواعده. ولكن ليس أمام الكتائب بعد الانتخابات إلا هدف الحد من الخسائر السياسية المترتبة على ذلك، والسعي الى البقاء داخل اللعبة، وهذا لا يتحقق برلمانيا إلا بالانضمام الى تكتل من التكتلات الكبيرة التي تميز مجلس الـ ٢٠١٨، ولا يتحقق سياسيا إلا بالدخول الى الحكومة ومركز القرار. والمشكلة أن الكتائب لا تملك ترف الخيارات وانضمامها الى تكتل نيابي أو الى حكومة العهد الثانية أمر صعب ودونه عقبات، وبالتالي فإن بقاءها في ساحة المعارضة هو الاحتمال الأرجح والأقرب الى الواقع.