بدأت مشاورات تشكيل الحكومة، والبحث في مرحلة ما بعد الانتخابات. افتتح الرئيس سعد الحريري المرحلة بلقائه رئيس مجلس النواب نبيه بري، لترطيب الأجواء بينهما، إذ أعلن الحريري أنه سينتخب بري لرئاسة المجلس إذا ما ترشّح. وقد حملت هذه العبارة تأويلات عدة. وتشير المصادر إلى أن البحث في اللقاء تركز على ضرورة الحفاظ على التسوية، وعدم تهميش أي طرف فيها. وتخلل البحث وضع تصور أولي للتشكيلة الحكومة المرتقبة، التي أبلغ حزب الله المعنيين بأنه لن يرضى بأن تكون له حصة هامشية أو بسيطة، بل هو يصرّ على تولّي وزارة أساسية، وإن لم تكن سيادية فوزارة خدماتية. فيما بدا الحريري غير متحمس لمسألة الطروحات المسبقة، معتبراً أنه لا يعترف بأعراف سوى بالرئاسات الثلاث، أما المناصب الأخرى فليست من حصة أحد، ولا بد من المداورة فيها. الامر الذي فهمه البعض على أنه إشارات غير إيجابية تجاه عين التينة، خصوصاً أن الحريري اعتبر أن الأمر لا يتوقف عند حدود المطالبة بوزارة المال، بل يتعداه إلى وزارات أخرى.

لقاء الحريري بري حصل بعد لقاء رئيس الحكومة مع رئيس الجمهورية ميشال عون، حيث جرى البحث في الموضوعات نفسها، مع الاتفاق على وجوب تسريع التكليف والتأليف. فيما كان الأهم، وفق مصادر متابعة، هو الانطلاق من كلام رئيس الجمهورية، بشأن الدعوة إلى طاولة حوار للبحث في الاستراتيجية الدفاعية وفي مكافحة الفساد وإطلاق حملة الاصلاح في مؤسسات الدولة عبر الشروع في بحث كيفية تطبيق اتفاق الطائف كاملاً. الأمر الذي يؤيده الحريري، ولكنه يطالب بتأخيره ريثما تتشكل الحكومة، كي لا يرتبط مصير تشكيلها بمصير مندرجات طاولة الحوار، ويستعاض عن السلطة التنفيذية في هذه الطاولة.

يتزامن هذا الكلام مع مواقف دولية تتمسك بالحفاظ على الاستقرار في لبنان، وآخرها ما صدر عن البنتاغون بأن واشنطن ستبقى مستعدة لتقديم المساعدات للجيش اللبناني، رغم حصول حزب الله على أرجحية في نتائج الانتخابات البرلمانية. بالتالي، فإن ذلك لا ينفصل عن الموقف الأميركي والدولي المتشدد إزاء تطبيق لبنان القرارات الدولية، خصوصاً حصر السلاح في يد الدولة والمؤسسات الشرعية، أي طرح سلاح حزب الله فوق طاولة البحث وعدم السماح للتغاضي عنه.

وسط هذه التطورات المحلية والإقليمية، ينتظر لبنان الكتل النيابية التي سيفرزها البرلمان الجديد، أو بالأحرى التحالفات السياسية التي ستبنى في الأيام القليلة المقبلة، خصوصاً أن هناك قوى متعددة ستجتمع ضمن تكتلات لتشكيل خطّ مواز أو مواجه لأي تحالفات ثنائية. بالتالي، تستطيع هذه التحالفات توفير مظلّة ميثاقية لأي بند خلافي.

الأكيد أن هناك كتلة موالية لقوى 8 آذار ستنشأ وتشكل قوة ضاغطة ورافدة لخيارات هذه القوى. وهذا ما يدفع قوى معارضة للتسوية والعهد إلى التخوف من احتمال ذهاب الحوار في ظل التحالفات القائمة، في اتجاه توفير شرعنة معينة لسلاح حزب الله. ويعبر هؤلاء عن خشيتهم من الذهاب إلى تشريع سلاح حزب الله وفق التجربة العراقية، التي يشبهونها إلى حدّ بعيد بالوضع اللبناني، لا سيما لناحية قانون الانتخاب والنتائج التي سيفرزها هناك، إذ إن هذه النتائج ستكون لمصلحة إيران، وعبرها ستحكم طهران قبضتها السياسية على العراق ولبنان أكثر فأكثر، للاستعداد للضغوط التي ستواجهها في المرحلة المقبلة. وهذا يدفع كثيرين إلى التخوف من احتمال شرعنة سلاح حزب الله واعتباره جزءاً من المنظومة الامنية اللبنانية، لما لعبه من دور أساسي في محاربة الإرهاب، وبسبب سطوته السياسية وسط تراجع القوى المعارضة له، أو تقديم التنازلات من خصومه المفترضين. فيما يطرح هؤلاء المعارضون أن يكون قرار السلم والحرب منوطاً بالحكومة اللبنانية مجتمعة. وهذا يتجنب الدخول في حسابات لا تتلائم ووضع لبنان في إطار علاقاته الخارجية.