صباح الإثنين السابع من أيار (مايو) لن يكون المشهد السياسي في لبنان مختلفاً عما هو عليه اليوم. نتائج الانتخابات المقرر إجراؤها يوم الأحد لن تغيّر شيئاً في الصورة العامة. المفاجآت التي تحدث كُثُرٌ عنها، ستكون طفيفة وموضعية ولن تقلب التحالف الحاكم منذ وصول ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية في تشرين الأول (أكتوبر) 2016.


ستبقى المواقع كما هي. كذلك الأسماء. «التيار الوطني الحر»، «تيار المستقبل»، الثنائية الشيعية، «القوات اللبنانية»، وليد جنبلاط أو وريثه الخ... وبغض النظر عن أعداد المقاعد التي ستحصل عليها كل لائحة مرشحة إلى الانتخابات، ما من شيء يقول إن الوضع الحالي سيتغير بعد فرز الأصوات.

ومثلما احتفظ «حزب الله» باليد العليا في السياسة اللبنانية على الرغم من نجاح قوى 14 آذار (مارس) في انتخابات 2005 و2009، متوسلاً الحرب ضد إسرائيل في 2006 لإفراغ اقتراع العام السابق والزخم الذي أحدثه اغتيال رفيق الحريري من مضمونيهما، وما يصب في هذه الخانة من الترهيب لاحقاً (كنشر «القمصان السود») لإفهام من لم يفهم أنه لن يترك الساحة لخصومه ولو سالت دماء غزيرة دون ذلك، سيصر هذه المرّة أكثر على القبض على المفاتيح الرئيسة لكل ما يتحرك في لبنان، خصوصاً مع تصاعد التهديدات الأميركية والإسرائيلية لإيران. وواهم من يعتقد أن معركة انتخابية في لبنان ستبدل قراراً استراتيجياً بإبقاء بلادنا في حالة استنفار واستعداد للانخراط الفوري في أي حرب إيرانية– إسرائيلية. واهم أكثر من يظن أن من اتخذ القرار سيبالي بمقدار حبة خردل بما ستقوله صناديق الاقتراع صباح الإثنين المقبل.

حظي لبنان بين 2005 و2011 بفرصة تاريخية لتعديل مصيره والانتقال من كونه كونفدرالية طائفية إلى دولة، لكنه أضاع الفرصة التي قد لا تتكرر في مستقبل منظور. لا معنى اليوم لتحميل هذا الطرف أو ذاك مسؤولية الحضيض الذي ما زلنا ننزلق إلى قعره بسرعة متزايدة، ذلك أن البنية الاجتماعية– السياسية والاقتصادية للبنان ما زالت تشكل حجر عثرة أمام كل محاولة للتقدم نحو هيكل أقل تخلفاً وبدائية للسلطة وأدواتها. ما يهم اليوم هو أن نافذة الفرص قد أقفلت وأن بلدنا عاد ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية.

مصير لبنان لا تقرره انتخابات تجري وفق قانون جُمع من رقعٍ وأفكار لا يجمع بينها إلا خدمة التحالف الحاكم. ولا حملات دعائية تملي محتواها الأهواء الشخصية والقدرة على شراء المقاعد في «اللوائح القوية». وبداهة أن مصير هذا البلد لن يقرره مجموعة من النواب يشكل الجهل والتفاهة قاسميهم المشتركين. فلبنان أعيد إلى سجن الارتهان لأحداث لا قدرة له على التأثير فيها.

فشل الثورة السورية ومأساة اللاجئين والخوف الأوروبي من تكرار مشاهد الزوارق على شواطئ القارة العجوز، إضافة إلى حرب الظلال بين إيران وإسرائيل، في سورية ولبنان وغيرهما، الغارات المجهولة– المعلومة على مواقع غامضة في الأرياف السورية، نزق الرئيس الأميركي وتقلباته، خبث السياسة الإيرانية والاستعاضة عن القدرة الفعلية بالتلويح بالردود المزلزلة (التي ستصيب أرضنا لا أرض غيرنا، بطبيعة الحال)، التدهور الاقتصادي اللبناني وفقدان معنى السياسة وانسداد الأفق صوب أي تغيير من أي مستوى ونوع... هذه العوامل وما يشبهها هي ما سيقرر مصير لبنان في الأعوام المقبلة.

الانتخابات، في السياق هذا، تلتقي مع عودة لبنان ساحة للصراعات الخارجية: مناسبة لاستعراض الوجاهة المحلية والانخراط في آلية الفساد العام... أما الحالمون فيبنون آمالاً لن تتحقق.