عادت بيروت إلى ما يشبه حالة الانقسام السياسي والتوترات الأمنية، التي سادت أيام الانقسام العمودي في مرحلة ما قبل تسوية اتفاق الدوحة. حالة الرعب البيروتية تنقّلت بين المناطق، من شارع حمد في الطريق الجديدة إلى برج أبي حيدر والبسطة، وصولاً إلى النويري. ففي الطريق الجديدة تفاعل احتكاك بين أفراد من مناصري تيار المستقبل وآخرين من جمعية المشاريع الإسلامية (الأحباش)، حتى صار عراكاً فإطلاقاً للنار.


سريعاً، توسعت حالة الاشكالات إلى أكثر من منطقة. وترافق ذلك مع حملات تصعيدية من الطرفين على وسائل التواصل الاجتماعي، مقابل جهود بذلتها القوى السياسية والاجهزة الرسمية لتفادي إثارة الأمر في وسائل الإعلام كي لا يسهم في تأجيج الإشكال، وتوسع رقعته. وسط حرص رسمي على التهدئة، كانت هناك ماكينات منظّمة تعمل على ضخ كثير من الأخبار التضخيمية في شأن الاشكالات والاشتباكات، التي تجددت ليلاً على نطاق محدود، فيما ذهبت الشائعات إلى أكثر من ذلك. ما فسّره آخرون بأنه مسألة متعمّدة تلافياً لخسارات محتملة في صناديق الاقتراع يوم الأحد.

لا شيء سيؤثر في الإانتخابات، تقول مصادر رسمية معنية بتأمين سلاسة الانتخابات. أما التوترات فهي قابلة للحصول في كل الاستحقاقات. لكن الجديد هذه المرّة أن الاشتباك يحصل في دائرة بيروت الثانية. هذه الدائرة التي لم تشهد اشكالات من هذا النوع سابقاً، بحيث كانت الاشتباكات تنحصر بين مؤيدي المستقبل ومؤيدي حزب الله وحركة أمل. أما على الصعيد الانتخابي، فلم تكن هذه الدائرة تمثّل تهديداً للمستقبل، الذي يعتبر بعض مناصريه أن هناك احتمال فوز مرشّح الأحباش عدنان طرابلسي. ما يؤدي إلى استفزاز البعض وتوترهم.

فيما أكدت جمعية المشاريع أن الاشكال بدأه مناصرون للمستقبل، اعتدوا على أحد مقارها. إلا أن المسؤولين فيها يؤكدون أنه فور التواصل مع المسؤولين في المستقبل، سارع المستقبليون إلى معالجة الأمر، والتعاطي معه بمسؤولية. الامر نفسه تؤكده مصادر المستقبل، التي تعتبر أن لا علاقة مباشرة للتيار بهذا الاشكال، ولا بغيره من الاشكالات السابقة التي حصلت. فيما هناك محاولات لإلصاقها بالتيار. وقد أراد المستقبليون الرد على الاتهامات التي طاولتهم سابقاً بأنهم اعتدوا على مرشحين منافسين، سواء أكان رجا الزهيري في الطريق الجديدة أم نبيل بدر في كراكاس. فيما يفسر البعض الآخر هذه الاشكالات بأنها نتيجة تخوف المستقبل من حصول اختراقات غير محسوبة في دائرة بيروت الثانية التي يعتبرها التيار معقلاً له.

يتهم معارضو المستقبل مناصري التيار بأنهم يحاولون ترهيب المرشحين والناخبين، لفرض أمر واقع على الأرض. وذلك بسبب التخوف من توفير هؤلاء حواصل انتخابية. ويسلّم المستقبل بخسارة المقعدين الشيعيين، لكنه يبدو أنه لن يسمح بخسارة أي مقعد سنّي. فيما التقديرات تشير إلى أرجحية فوز طرابلسي ومرشّح سنّي آخر قد يكون المهندس فؤاد المخزومي. ويستخدم المخزومي سلاح المستقبل، من خلال حجم الخدمات التي يقدّمها ومن خلال التركيز على الحملة الإعلانية التي يقوم بها.

منذ أيام، والاجواء منفجرة بين رئيس حزب الحوار وتيار المستقبل، إذ وصفه الرئيس سعد الحريري بأنه تابع للوصاية السورية التي قتلت رفيق الحريري. واعتبر الحريري أن عدم ضمه مخزومي إلى لائحته هو سبب الاتهامات التي يسوقها مخزومي ضد المستقبل. في المقابل، يردّ المخزومي بأن من حقه الترشح لتمثيل بيروت. وتعتبر مصادر قريبة منه أن اتهامات المستقبل مردودة عليه، لا سيما أن تحالفاً انتخابياً قد أبرم بينهما في الانتخابات البلدية الماضية. فلماذا لم يرفض الحريري ذلك التحالف باعتبار أن مخزومي رجلاً للوصاية.

وقد تطور الاشكال بين المستقبل ومخزومي، من بوابة اتهام وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق مخزومي بأنه تاجر سلاح، وبيروت لن ترضى بأن يمثّلها تاجر سلاح وشخص تابع للوصاية الإيرانية. أسند المشنوق كلامه إلى اتهامات أطلقت بحق مخزومي من قبل محاكم بريطانية، ومن قبل رئيس الوحدة الاستقصائية في جريدة الغارديان البريطانية، الذي يعتبر أنه حصل على وثائق نشرت في كتاب تشير إلى تورّط مخزومي في تجارة الأسلحة بين العديد من الدول. ويقول المشنوق أن لا علاقة للأمر بالحسابات الشخصية، بل بإرادة أبناء بيروت، الذين سيرفضون هذا التمثيل.

لا شك أن معركة بيروت الثانية ستكون أساسية ومفصلية بالنسبة إلى تيار المستقبل. وهذا ما يؤكده الحريري شخصياً، إذ يسعى إلى رفع نسبة التصويت، لأن المعركة مختلفة عن كل المعارك. وهذا الوضع هو الذي قد يؤدي إلى هذه التوترات وإلى مزيد منها.