تمضي «الديمقرطية اللبنانية»، وهي تحمل على أكتافها هموماً متثاقلة من أداء الطوائف وعنترياتها، ومثالبها ومكاسب القيّمين عليها، قبل أن تحط رحالها الاثنين المقبل في 7 أيار، حيث تستريح الماكينات، ويمضي اللبنانيون، يوماً آخر من عطلهم، وهم يتطلعون إلى يوم آخر..
لكن الخطأ القاتل، أن يعتبر السذج (وربما نحن منهم) أن غداً يوم آخر، بمعنى «استراحة المحارب». وخلافاً، فبعد السابع من أيار، ستبدأ مرحلة بالغة الحساسية والتعقيد، من زاوية، ان الانتخابات مضت، وكفى الله المؤمنين شرّ القتال، ولا بدَّ من فتح صفحة جديدة.. نعم، ستفتح صفحة جديدة من المناكفات، وعرض العضلات، وإعلان المراجل، كل ذلك في ضوء النتائج الثابتة، والقرارات التي تترتب عليها، ليس من زاوية التيارات التي قادت الكتل الكبرى، بل من زاوية حركة التجاذب أو التباعد بين الطوائف، ومدى جدّية هذا الطرف أو ذاك في انتزاع تمثيل، يُمكن الاعتداد به في لعبة تحصيل مكاسب إضافية على أرض الحكومة والمغانم والتوظيفات من زاوية ان سنوات أربع مقبلة، ستنقضي «برمشة جفن».
1 - في المعادلة الصعبة هذه، يمضي التيار الوطني الحر، بعد وصول مؤسسه العماد ميشال عون إلى سدّة الرئاسة الأولى، وعبر رئيسه الحالي جبران باسيل (الذي يشغل حالياً منصب وزير الخارجية والمغتربين) إلى استكمال مناجزة حركة «امل» الممثل الأقوى للشيعة في تقاسم «جبنة الدولة»، وتوزيع المواقع في الإدارة والسفارة، والنظارة، والقضاء، والمؤسسات الأمنية على المحسوبين عليها، أو المنضوين في صفوفها (ولهذه الغاية فقط).
هذه المناجزة، التي تستهدف بالدرجة الأولى رئيسها، «البلطجي»، والذي يمدّ يده إلى «جزين» و«ميليشيا الإدارة» بتعبير باسيل نفسه، الذي ينظر إليه كعنصر «يبلعط» على ساحتنا (المقصود الجنوبية) بتعبير رئيس حركة «امل» نبيه برّي، وهو رئيس المجلس النيابي، وأحد أبرز المرشحين في الجنوب، عن الدائرة الثانية، ومنها إلى رئاسة المجلس النيابي.
يخطط باسيل إلى مقارعة برّي في عقر داره: المجلس النيابي، بعد ان يوصله القانون النسبي إلى ساحة النجمة لتبدأ مرحلة جديدة من «النزاع» أو «النضال» بلغة باسيل ضد برّي وحركته الشيعية التي احتفلت السبت الماضي بمرور 43 عاماً على خطاب القسم.
2 - سيطالب جبران باسيل بأن يكون ارثوذكسياً من التيار الوطني الحر (الياس أبو صعب أو سواه) نائباً لرئيس المجلس، وسيطالب له بصلاحيات، كأن يترأس جلسة لتعديل الدستور أو انتخاب الرئيس.. وسيحاول الاحتفاظ برئاسة مسيحيين محسوبين عليه في رئاسة اللجان النيابية الرئيسية، فضلاً عن احتمال اقتراح نفسه ان يكون عضواً في هيئة مكتب المجلس، بالطبع، بعد ان يرفض رئاسة برّي مجلس النواب، الذي سيمنح الثقة لحكومة العهد الأولى، والتي يرجح أن يسمي سعد الحريري لرئاستها.
3 - يخوض برّي، ومعه مسيحيون مناوئون لباسيل وتياره وفريقه، مواجهة مع باسيل، ومن ورائه مع العهد. وهو لن يتوانى عن استخدام كل الأسلحة المتاحة، وتحت سقف، المشروع ديمقراطياً، (أليس كذلك ايتها الديمقراطية اللبنانية؟!).
إذا تمكن برّي من إنجاح المرشح إبراهيم عازار في جزّين، يعني هزيمة مدوّية لباسل، وإذا تمكن برّي من إحراز تصويت عال في دائرته وفي عموم الجنوب، بما في ذلك إنجاح مرشحيه في بعبدا والبقاع الغربي يكون بذلك سدَّد ضربة قوية لباسيل وفريقه، وحمى ساحته، قبل العودة إلى مجلس النواب، في ولاية، هي أقرب للولايات الملكية، سواء في الملكيات المطلقة أو الدستورية (المقيدة).
يتفرج تيّار «المستقبل» على المشهد، وإن بدا للرئيس الحريري حسابات أخرى، تتصل بتصفية حسابات مرحلة عاصفة بتحديات سلفت، لكنها ماثلة في العيان، من صيدا إلى طرابلس، وعكار والبقاع، وصولاً إلى دائرة بيروت الثانية، حيث «يجاهد» للحفاظ على زعامة: إمَّا تكرَّس، أو تطرح اسئلة جديدة حول القضاء والقدر.
في المعمعة هذه، ينتظر وليد جنبلاط، عند ضفة النهر الأخرى، ولم تشفع له وسطيته بتقليل خصومه (وهو الذي يواجه تحدياً في الخروج عن المسرح أو المشهد).
ويُرجئ «حزب الله» معالجة تحديات ما بعد وصول الرئيس القوي، الأكثر تمثيلاً في طائفته إلى بعبدا، وسط «تحسرات» تكاد تبلغ الذروة، لكن الانتظار هو سيّد الموقف، وقراءة المشهد المتحوّل من ساحات حماية «المقاومة» في 15 دائرة انتخابية، إلى تتبع مسار التحوّلات الدولية، من «عناق الكوريتين» إلى مشهد الزعيم الكوري الشمالي في البيت الأبيض، يصافح «الشيطان الأكبر» على مرأى من زوجته الجميلة؟!