المرجعية تدعو إلى تجنب التصويت للمسؤولين الفاسدين وتحذر من دعم قائمة الحشد الشعبي
 

 كشفت تسريبات من مدينة النجف العراقية أن المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني سيصدر توجيهات تتعلق بالانتخابات العامة المقررة في 12 مايو، وسط توقعات بأن تتضمن هذه التوجيهات “تلميحا إلى تجنب انتخاب قائمة مقربة من إيران”.

ويمثل تدخل السيستاني في الانتخابات أمرا حاسما، ويمكنه ترجيح أي قائمة يختارها، بسبب التأثير الروحي الواسع الذي يملكه بين ملايين الشيعة الاثني عشرية في العراق.

وذكرت مصادر في الحوزة الدينية بالنجف لـ”العرب” أن “أحد وكلاء السيستاني سيتلو يوم الجمعة القادم، خطابا يتضمن سلسلة توجيهات، تحدد مواصفات المرشح الذي ينبغي التصويت له”.

وقالت المصادر إن “التعليمات ستركز على ضرورة تجنب التصويت للمسؤولين الفاسدين، كما أنها ستحذر من دعم قائمة تدعي أنها تمثل قوات الحشد الشعبي، في إشارة إلى قائمة الفتح، بزعامة هادي العامري، المقربة من إيران”.

وبالرغم من أن قوات الحشد الشعبي تشكلت العام 2014 لمجابهة خطر تمدد تنظيم داعش في العراق، بناء على فتوى من السيستاني شخصيا، فإن الأخير لم يستخدم مصطلح “الحشد الشعبي” مطلقا في الحديث عن هذه القوات، وحافظ على استخدام مصطلح المتطوعين.

وارتبط مصطلح الحشد الشعبي أول مرة برئيس الوزراء السابق نوري المالكي، قبل أن يتغلغل في هذه القوة زعماء فصائل مسلحة موالون لإيران، على غرار زعيم منظمة بدر هادي العامري وزعيم حركة عصائب أهل الحق قيس الخزعلي وزعيم حركة النجباء أكرم الكعبي، ويفرضون هيمنتهم المطلقة عليها.

مرجعية النجف تخشى أن يفسر صمتها على أنه إشارة داعمة لمقاطعة الانتخابات

وعقب انتهاء خطر تنظيم داعش، شكل العامري والخزعلي، مع آخرين موالين لإيران، قائمة انتخابية أطلقوا عليها اسم “الفتح” لخوض اقتراع مايو القادم، على أمل الحصول على منصب رئيس الوزراء.

وتؤكد المصادر أن “السيستاني سيرسل بعض الإشارات إلى ضرورة تجنب التصويت لقائمة الفتح، التي تحاول المتاجرة بدماء الشهداء من متطوعي فتوى الجهاد الكفائي”. كما ستؤكد المرجعية موقفها المعلن بشأن “تجريب المجرب”، في إشارة إلى ضرورة تجنب التصويت للمالكي.

لكن المصادر تقول إن “المرجع الأعلى ربما يخالف التوقعات بشأن دعم قائمة رئيس الوزراء حيدر العبادي”.

ومن المعروف أن السيستاني لعب دورا بارزا في وصول العبادي إلى موقع رئيس الوزراء، بعد تصديه لمشروع الولاية الثالثة الذي كان المالكي يسعى خلفه، بعد انتخابات 2014.

وبالرغم من تحقيق المالكي فوزا كاسحا في انتخابات 2014، إلا أنه فشل في تجاوز اعتراض المرجعية، التي رأت أنه “يورط شيعة العراق في حرب طاحنة تقودها إيران”.

ومنذ تولي العبادي السلطة، لم ترد مؤشرات سلبية من مرجعية النجف إزاءه. لكن المصادر تشير إلى أن توجيهات السيستاني المنتظرة لن تتضمن إشارة دعم له.

وبدلا من ذلك، وفقا لمصادر “العرب”، ستركز التوجيهات على مواصفات يجب توفرها في الأشخاص المرشحين، بغية انتخابهم، فضلا عن إشارات إيجابية بشأن قوائم صغيرة وأخرى تضم وجوها جديدة.

ويقول مراقبون إن “مرجعية النجف تخشى أن يفسر صمتها عن ملف الانتخابات، على أنه إشارة داعمة لدعوات المقاطعة التي يتسع نطاقها قبيل موعد الاقتراع″.

وتهيمن حالة من اليأس على الكثير من سكان العراق، من قدرة الطبقة السياسية الحالية، المتورطة في الفساد وسوء الإدارة، على إحداث أي تغيير.

ويروج مثقفون ونشطاء عراقيون لفكرة مقاطعة الانتخابات، بوصفها عقابا للطبقة السياسية الفاسدة. ويتوقع المراقبون أن تحظى هذه الفكرة بدعم شرائح عديدة من العراقيين، لم تعد ترى أملا في العملية السياسية.

ومن شأن تدخل المرجعية في تحديد مواصفات “النائب الصالح”، أن يشجع المتدينين الشيعة على الإدلاء بأصواتهم، ما ينعكس إيجابا على نسب المشاركة لدى السنة والأكراد في مناطقهم.

ويحذر الكاتب السياسي العراقي فاروق يوسف من أن تدخل المرجعية هذه المرة في الشأن الانتخابي قد يُعقد المسألة ولا يبسطها، خاصة أن لا أحد في المرجعية يملك جوابا على سؤال من نوع “مَن هو الفاسد؟”، مشيرا إلى أنها لا تجرؤ على الدخول في حرب مفتوحة مع السياسيين الجدد الذين خلعوا ثياب الميليشيات في محاولة منظمة للتسلل إلى السلطة التنفيذية.

ويشير يوسف في تصريح لـ”العرب” إلى أن المرجعية لا تأمن ردود أفعال هؤلاء السياسيين، وهي ردود قد تفضح ما هو مسكوت عنه من حقيقة العلاقة بين الطبقة السياسية والمرجعية، وبشكل محدد ما يتصل من تلك العلاقة بإمكانية أن يخضع أفراد تلك الطبقة الذين أصبحوا من أصحاب المليارات لما تقوله المرجعية، مشددا على أنه لأجل ذلك فإن المرجعية لن تدخل في صراع لئلا تحرج المراهنين على موقعها لدى العراقيين وتأثيرها عليهم.

وفي كل الانتخابات السابقة كان موقف المرجعية يصب في مصلحة الكتل والأحزاب السياسية التي لا تزال تحكم وهي التي أوصلت العراق إلى مرحلة الفساد الشامل. وحين أطلقت مقولتها الغامضة “المجرب لا يُجرب” كانت تفكر في أن تحمل الشعب مسؤولية ما يمكن أن يقع في السنوات الأربع القادمة لتبدو كما لو أنها قد قالت كلمتها النزيهة من غير أن يلتزم بها أحد.

وتساءل يوسف إن كانت المرجعية تنتظر أن ينقلب الشعب على الانتخابات لأن الكتل والأحزاب الكبيرة المشاركة في تلك الانتخابات والتي يمكن الجزم منذ الآن بأن النتائج ستذهب لصالحها هي التي قادت الدولة العراقية إلى مستنقع الفساد؟

وأكد أن الجواب سيكون سلبيا، ذلك أن المرجعية لا تزال تحث الشعب على المشاركة في الاقتراع، وهو ما يعني أن المشكلة ستظل قائمة ولن تنفع توضيحات المرجعية الشعب الحائر في شيء.