مارسيل، بربارة وجوانا، لكل واحدة قصتها وصراعاتها ورسالتها التي تبحث عنها لتفهم حقيقة وجودها وواقع احتلافاتها مقارنة بالآخرين. ليس سهلاً عليهن ان يجدن هذا السلام الدخلي، صعودٌ وهبوط، تناقضات وقناعات يعشن تحدّياً وجودياً لتقبل إعاقاتهن التي فرضت عليهن ويسعين الى التعايش معها بفرح.  

مارسيل وبربارة شقيقتان تعانيان مرض " ataxie de friedrich" فريدريك أتاكسيا، وهو مرض وراثي يُسبب تدميرا مستمرا للجهاز العصبي متمثلا بأعراض تبدأ من اختلال بالمشي ومشاكل بالكلام وتنتهي بمرض في القلب.

4 افراد من عائلتهما كانوا مصابين بهذا المرض، مارسيل وبربارة وشقيقان آخران، لم تنجُ سوى واحدة من شقيقاتها. تتحدث مارسيل بصعوبة، فهي بدأت تخسر رويداً رويداً حركتها وقدرتها التعبيرية بعدما كانت قادرة على الحياكة والكلام. تقول: "الحمدلله على كل شيء، أعيش هنا منذ العام 1999. فقدتُ شقيقاي وانا لم أعد قادرة على الحياكة والتحكم بحركاتي كما كنتُ سابقاً. كل شيء يتلاشى سنة تلو الاخرى. "ما فينا نقول الا الحمدلله". وتتابع قائلة "ان كان مصاب بإعاقة ولا كان مش مصاب، كلنا مهمين، كل واحد بإسمو مهم، "نشكر الله"، كل واحد عندو همو ومشكلتو."

"أنت أخي" لا اختلاف
تحب مارسيل الغناء كثيراً، كان صوتها يصدح هنا لكنها لم تعد قادرة اليوم على فعل ذلك. تجد صعوبة في الكلام بعدما ضعف عضلها كثيراً. وضع شقيقتها بربارة أصعب من مارسيل، لم تعد قادرة على الكلام وتحتاج الى مرافق يُفسر ما تقوله. الاثنتان على كرسييهما المدولبين تحتاجان الى رعاية دائمة.

كانت بربارة تتمتع بصحة جيدة الى ان بلغت 14 عاماً، فجأة بدأت تفقد قدرتها على المشي وحركة يديها الى ان اصبحت على هذا الكرسي. كانت بربارة متطوعة في احدى الجمعيات التي تُعنى بذوي الحاجات الخاصة قبل ان تصبح اليوم بحاجة الى من يساعدها. هذا المرض الوراثي لا يظهر عند الولادة وانما في عمر 8 سنوات وما فوق.

"كنتُ اخجل من نفسي"

اما بالنسبة الى جوانا الموجودة ايضاً في جمعية "انت أخي" فقصتها مختلفة بعض الشيء عن بربارة ومارسيل. وُلدت جوانا وهي تعاني من شلل دماغي. منذ البداية، اكتشفت انها مختلفة عن شقيقها اولاً وشقيقتيها في ما بعد. لم تكن تتقبل وضعها واصفة تلك المرحلة بالقول "كنتُ أخجل كثيراً وأبقى في غرفتي عند قدوم احدهم الى منزلنا، حتى أصدقاء اشقائي كنتُ ارفض ان يروني. كان صعباً علي تقبل هذه الحقيقة. لقد استغرقتُ وقتاً لأتصالح مع ذاتي وأعرف قيمة نفسي ورسالتي الوجودية". مضيفةً "لقد تقبلتُ اعاقتي واختلافي وبدأتُ احب نفسي وما زلتً أخوض معركتي الداخلية والروحية والنفسية لأتمسك بهذه القناعة. بدأت مع اشقائي بمشواري، لم اكن اتقبل نظرة المجتمع. غيّرت من ذاتي حتى أغيّر الآخر."

تعود جوانا الى منزلها يومياً، هي لا تنام في الجمعية. تمضي وقتها في النشاطات الروحية والترفيهية قبل ان تعود أدراجها، لم تعد تخجل من شيء.

بالنسبة الى جوانا "كل شخص مهم بما يمتلكه، بهذه الهبة وبهذا الفرح والبحث عن الحقائق الكيانية لمعرفة قيمة وجوده".


البحث عن الحقائق الكيانية
من جهتها، تشرح احد الملتزمات بـ "أنت اخي" نورما قسيس ان "رسالتنا هي الفرح والبحث عن الحقيقة الكيانية، لأن المهم بالنسبة لنا ان كل شخص موجود هنا هو مهم بشخصه لأنه انسان الله. أُنشئت الجمعية في العام 1992 لتثبت هذه الرسالة الوجودية وجعل الشخص يتقبل نفسه كما الآخر باختلافاته لا خلافاته. دورنا ان ننظر الى الآخر ونعرف دورنا في حياته، لا نُركز على اختلافاته وانما على جوهره وتقبله كما هو. كل شخص لديه هبة ورسالة وهي خدمة الآخر وبث الأمل في نفسه".

تتحدث قسيس بروحانية عميقة، تجعلك تنغمس في هذا العالم الوجودي بأسئلته وصراعاته وقيمته. بالنسبة اليها "هدفنا طرح هذه الحقائق الكيانية حتى يجد كل شخص قيمة وجوده ويجد اجوبته التي يبحث عنها. اسئلة مشتركة يطرحها شبيبتنا اهمها "ليش انا"، "ليه انا غير اخواتي"، " ما بدي انصح حتى ما تعب اهلي"، "شو رسالتي"، ليه انا عايش هيك؟؟ ما يهمنا حقيقة هو الإنسان الذي يعيش مع اعاقته، ما يعنينا ان ننظر الى شخصه وروحه وليس الى الكرسي او نقاط ضعفه. معاً نشهد للعيش معاً وعيش الاختلاف بتكامل. نحاول قدر المستطاع ان نُدخل الفرحة الى قلب الآخر ونعمل لخدمته".

نعمة في حياتنا

في حين تُركز رئيسة "لجنة النسوان" غريتا كرم احد الممولين لجمعية "انت أخي" على ان ما يهمنا اليوم هو تقبل الناس لهذا الإختلاف وعدم الخوف منه او الهروب. رسالتنا هدفها التوعية ووجود هؤلاء الأشخاص هو نعمة في حياتنا. هذا الفرح الذي في داخلهم يجعلك تشعر بالخجل من همومنا ومشاكلنا اليومية التي نشكو منها. ما زلنا نواجه نظرة الناس المجحفة والقاسية التي لا تتقبل الأشخاص المختلفين عنهم وترفض حتى استقبالهم في المطاعم او دور السينما وغيرها...".

وتستطرد كرم قائلة "صاحبهم الوحيد هو الله، كلهم يرحلون ويبقى الوحيد الصامد معهم. لا يهمنا الماديات بقدر ما تهمنا ايصال الرسالة الى كل العالم وتخطي هذه الجدران. هذا الفرح والسلام والحب المجاني عليه ان يصل الى حياة الآخرين، لذلك سننظم عشاءً سنوياً في 19 الحالي للوقوف الى جانب هولاء الأشخاص ودعمهم بما تيّسر، فالعطاء أكبر فرح قد تعيشه مع نفسك قبل الآخرين. دعوا الحب يكون موجوداً في تلك الليلة وكلٌ حسب امكانياته، فالأساس هو ان تكون موجوداً من أجلهم".