أدخل قانون الانتخاب الجديد مفردات طارئة على الخطاب السياسي بعضها مستقى من النظام النسبي وبعضها الآخر يتصل بخصوصية لبنانية مبتكرة مثل الصوت التفضيلي. تبعا لذلك تبرز مفارقات بعضها يكتسب طابعا ساخرا اكثر منه أي اتجاه جدي لفرط ما يمعن السياسيون والاعلام في استنزاف كل جديد. ولعلنا لا نغالي إن تخوفنا من ان تغدو بعض المفردات الشائعة حاليا والتي يستطيب الساسة والمرشحون للانتخابات الإكثار من تردادها كمعزوفات لغة محكية لا تنطبق على الاستحقاق الانتخابي وحده بل تتجاوزه الى الابعد من ذلك.

والحال ان من المفاهيم الجديدة السلبية التي استنبطها القانون الانتخابي الهجين مسألة “الحاصل الانتخابي” الذي بات يعمم من حيث شاء له ذلك المشرع ام لم يشأ مفهوم القياس الكمي والعددي للناخبين من دون إعطاء أي اهمية للإهانات التي تلحق بالناخبين كمكون حقيقي للقرار السياسي والخيار السياسي. يمكننا الجزم هنا بان تداول مصطلح الحاصل الانتخابي، الذي لم تكن الغالبية الساحقة من اللبنانيين قبل أسابيع قليلة وربما لا تزال لا تفهم معناه، بات الآن اقل استعصاء على الفهم ولكنه ايضا ينذر بتطبيع مفهوم سيّئ للغاية عن الانسياق العددي للناس بحيث يقاس الناخبون والدوائر والمكاسب والخسائر وكل شيء آخر بالحاصل العددي.

لا يثير هذا الامر اي ايحاءات سلبية في مجتمعات ديموقراطية متمدنة تتبع دولها الأنظمة النسبية لان الثقافة الديموقراطية السائدة فيها لا تتداخل فيها مفاهيم “القطعانية ” المهينة كتلك التي يجري تعيير اللبنانيين بها منذ صارت الحياة الحزبية والسياسية في لبنان حكرا تقريبا على الحزب -الطائفة او التيار- المذهب بمعنى تجويف قرار الفرد اللبناني من أي محتوى جدي وتصنيفه في خانة التابع التلقائي لاحزاب الطائفة والمذهب والاتجاه الديني اولا.
وكان ينقص اللبنانيين ان تحل نعمة القانون الانتخابي بمفهوم زائد من شأنه ان يفاقم النظرة العددية والكمية بل حتى الرقمية الى الناخب، فجاء الحاصل الانتخابي الذي يشعل السباق الى جمع الألوف اللازمة اولا لتأهيل اللوائح، ومن ثم قياس كل حزب وقوة منخرطة في السباق الانتخابي بعدد الحواصل، ومن بعدها قياس كل قضاء بمجمل الحواصل التي يجمعها، ومن ثم الحكم الاستباقي على نتائج كل دائرة انتخابية من خلال استشراف عدد الحواصل وسباقها نحو المقاعد الانتخابية. وما يعجز عنه الحاصل كمحفز انتخابي لـ”الأعداد البشرية” المستدعاة الى المبارزات المفتوحة في رفع السقوف والنسب المئوية يعوّضه مفهوم الصوت التفضيلي الجاهز لاعلاء شأن الاقتراع الطائفي والمذهبي الصافي حين تتحول الانتخابات الى استعراضات مكشوفة للطائفية السافرة في دوائر معظمها عاد الى اللون الواحد قسرا. الم تقسم بيروت تكرارا بين شرقية مسيحية صافية وغربية إسلامية في الغالب باستثناء بضعة مقاعد مغايرة؟ اليس في الجبل والشمال من دوائر من لون واحد ؟ انه “الحاصل التفضيلي” لدى اهل القانون والذين دفعوا بقوة لفرضه والذي “يعيد” لبنان الى المستقبل الواعد من ماض ينكره الجميع، فكيف سيستقيم لبنان وسط تناقضين متفجرين بهذا الحجم؟