نادرا ما يحصل هذا في لبنان. “حدث” هامشي سطحي ينبري فجأة ليتقدم واجهة المشهد الصاخب بل الاشد صخبا من كل استحقاقات الداخل غداة جنازة استثنائية لأكثر البطاركة الموارنة استقطاباً للعواطف والمهابة فاذا باسم بشارة الأسمر يغدو الحدث الموصوف. اساء الينا كمواطنين هذا المسؤول النقابي الواقف عند مشارف اقالة عقابية كأنها تنفيذ لحكم جماعي قبل اي حكم قضائي او نقابي بعمق غير متوقع على سلم متدرج ومتعدد الاتجاهات. كانت صدمته الاولى في التعبير البذيء عن سقطته عبر تحقير البطريرك الايقوني مار نصرالله بطرس صفير جهارا نهارا كما ضبطته كاميرا أنهت حياته النقابية والعامة في اقل التوقعات. ثم كانت الصدمة الثانية في الاستفاقة على اتحاد عمالي عام متروك منذ غاب عنه كبار مثل أنطوان بشارة للمقاصصات الحزبية وبين إقطاعات حولته الى هيكل منسي فاذا برئيسه الحالي يطلع على اللبنانيين بما يشنف الآذان من آيات الاقذاع ليسلط الاضواء على نوعيات من المسؤولين في مواقع عامة يثيرون الخوف من انهيارات عميمة في سائر قطاعات البلاد وليس فقط في أماكن يرددها الاعلام في يومياته. اما الصدمة الثالثة فجاءت مما جنته سقطته في تفجير تداعيات واسعة كانت لتشكل سابقة ايجابية للغاية لو اقتصرت على الاقتصاص والعقاب العادل الذي يستحقه ولكنها تجاوزت ذلك الى الأسوأ.

نعني بذلك ان عشرات بل مئات الاصوات الصاخبة الساخطة على التحقير الطالع في كلام مسؤول نقابي راحت تزاحمه وتتفوق مرات كثيرة على منسوب الإقذاع الذي طبع سقطته. لا يمكن تجاوز البشاعة التي برزت في الهبوط التعبيري عن بعض الاتجاهات الشعبية والسياسية بعد سقطة بشارة الأسمر بما يتشابه تماما مع هبوطه في تلك المزحة الهابطة التي تفوه بها ودمرته تماما. اذا كانت الرؤية المعمقة لمستويات الناشطين والمعلقين على مواقع التواصل الاجتماعي تعكس نسبا كبيرة من مستويات ثقافية لحجم معين من اللبنانيين فان ذلك يشكل مدعاة لخوف كبير جدا ليس حيال انهيار محقق وجدي للإشراق اللبناني وانما ايضا حيال المفاهيم الأخلاقية التي تفضحها الأحداث المباغتة. لقد ذهب ناشطون في تعاملهم مع سقطة بشارة الأسمر وتوقيفه بمفردات عنفية وتعبير ينم عن كراهية جاهزة بازاء كل شيء. كما تجاوزت المبالغات في مطالب الاقتصاص منه حدود التعبير المجروح للمس بالبطريرك صفير الى ظهور كتلة كراهية مخيفة لا تقف عند حدود الانتصار للبطريرك الراحل قبل 24 ساعة فقط من تلك السقطة بل تتجاوزها الى دق جرس الانذار في شأن فئات اجتماعية تتقن هذا النوع الهابط من التعبير وتذر تداعياته في اتجاهات شتى بما يفتح باب التساؤلات على غاربها حول هوية لبنان الثقافية والحضارية واين صارت؟

ليست المسألة مسألة حسابات للربح والخسارة خصوصا ان لبنان مني ويمنى من خارجه وداخله بخسائر وجودية وجوهرية. لذا لم يعد بشارة الأسمر وحيدا في قصاصه الذي يستحق. فبعد لحظات قليلة من بثه تلك العبارة الهابطة لم تكن نماذج من الادانات له، ولو محقة، الا نسخا طبق الأصل عن انهيار اخلاقي عميم يغرق لبنان بكثير من القتامة.