فيما كان حزب الله يتهيّب معركة بعلبك الهرمل، ويتهم خصومه بعلاقاتهم الخارجية وارتباطهم بمشاريع إقليمية، ويصف بعضهم بداعش والنصرة لتحفيز الناس على اقتراع لائحته، حصل الحزب على هدية مجانية من حيث لا يحتسب. زيارة القائم بالأعمال السعودي وليد البخاري والسفير الاماراتي حمد الشامسي إلى مدينة بعلبك، واداء الصلاة فيها في الجامع الأموي تحديداً. مثّل ذلك هدية مجانية لحزب الله. لم يعد الحزب بحاجة إلى اتهام خصومه، أصبح بإمكانه الإشارة إلى هذه الزيارة في هذا التوقيت اللافت ليقول إن المعركة هي أم المعارك، وهي وجودية، وعلى الناس عدم اختيار اللائحة المناهضة للحزب، لأن السعودية والامارات دخلتا على خطّ المعركة الانتخابية في تلك الدائرة.

منذ بروز الخبر، بدا حزب الله فرحاً تتردد في أوساطه أن ما فعلته هذه الزيارة لم يكن هو قادراً على فعله مهما بذل من جهد. يبدو حزب الله كمن فاز بجائزة اليانصيب. ما قبل الزيارة ليس كما بعدها. كان حزب الله يواجه صعوبة في إقناع الرأي العام البقاعي في خياراته، لا سيما أن الناس تطالب بالإنماء وتعارضه على خلفيات مطلبية ومعيشية، لكن الزيارة حوّلت مفهوم المعركة، وأعطتها طابعاً سياسياً. وهذا وحده كفيل بتغيير وجهة نظر كثيرين، وبالتفاف المترددين حول الحزب بدلاً من الذهاب إلى المشروع الآخر.

حين كانت القوات اللبنانية تقارب الملف الانتخابي في تلك الدائرة، كانت تعبر بين المحاذير، دخل سمير جعجع بقوة على خطّ المعركة لتحفيز المسيحيين على الاقتراع للائحة الائتلافية مع المستقبل والاعتراض الشيعي. وفيما مثّل اعتباره المعركة معركة سياسية ثغرة في الخطاب عاد واستدركها بعد التدخل بشكل علني. جاءت هذه الزيارة، لتمعن في استهداف اللائحة المعارضة وإن كان ذلك من غير حساب. صحيح أن السفيرين زارا المدينة لأداء الصلاة فحسب، وغادراها من دون الإدلاء بأي تصريح، ولعدم اعطائها أي طابع سياسي أو الإيحاء بأن لها علاقة بالمعركة الانتخابية. والأكيد أن ليس للزيارة أي علاقة بالشق الانتخابي، لأنه لو أرادت الدولتان المشاركة أو التدخل، لكان التدخل انسحب على كثير من التحالفات في العديد من الدوائر. وبما أن ذلك لم يحصل في أي منطقة، لا يمكن أن يحصل بشأن بعلبك الهرمل، لأن الدول والسفارات لا تعمل على "القطعة"، وليس هناك مشروعاً للتدخل. وهنا تضع مصادر متابعة الزيارة في خانة هدف الرجلين التعرف إلى المدينة، والصلاة في هذا الجامع الأثري بالتحديد، بلا أي احتمال سياسي.

لكن في لبنان، ولا سيما في هذا التوقيت، وما تمثّله المنطقة من رمزية خاصة في المعركة الشرسة التي يستعد لخوضها حزب الله وخصومه، فهي جاءت في سياق يستفيد منه الحزب. وهذه الإفادة ستكون من رمزية المكان الذي زاره السفيران، الجامع الأموي، بما سيمثّل من استفزاز للشارع الشيعي. فجزء واسع من الحرب السورية تخاض ضد بني أمية. والمعركة الانتخابية ستتخذ هذا الطابع أيضاً.

في وقت يقلل البعض من أهمية الزيارة، ويحاول عدم ربطها بالمعركة الانتخابية، إلا أن ردود فعل المعارضين الشيعة، تأتي سلبية بشأن هذه الخطوة. فهم يعتبرون أن ما حصل استهداف لهم، والزيارة خدمة مجانية لحزب الله، إن لم تكن دعماً مباشراً له ولو بشكل غير مقصود. أكثر من ذلك، يعتبر المعارضون الشيعية أنهم أصبحوا هدفاً مشروعاً لحزب الله، الذي سيستطيع وصفهم بعملاء السفارات، أو العاملين لدى السعودية. وهذا ما سيستنفر الشارع الشيعي ضدهم، وسينعكس سلباً عليهم في الانتخابات. وبعدما كانوا يسعون لتحقيق خرق في مقعد شيعي في تلك الدائرة فإن ذلك الآن أصبح شبه مستحيل.

تعود شخصية بارزة سنوات إلى الوراء، وتحديداً إلى فترة خنق الاعتراض الشيعي في مهده، إلى العام 2005، في حينها أبرم تيار المستقبل اتفاقاً رباعياً مع حزب الله وحركة أمل والحزب التقدمي الاشتراكي، فهمّشت المعارضة الشيعية، ولم يوفر لها حلفاؤها أي حماية. المسألة تكررت في كثير من المحطات، خصوصاً في تشكيل الحكومات، التي حصل فيها استثناء واحد ويتيم بتوزير إبراهيم شمس الدين. حتى بعيد استقالة الوزراء الشيعة من حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، لم يجرؤ هذا الفريق على اختيار وزراء شيعة لا يوافق عليهم حزب الله وأمل.

حتى في الانتخابات الحالية، لم يفتح الحلفاء المفترضون للشيعة المعترضين المجال لهم للتحالف سوى في دائرة بعلبك- الهرمل. ما يوضح أن الجميع يريد تصفيتهم سياسياً. فتيار المستقبل، وخصوم حزب الله عموماً، لا يريد أو لا يجرؤ على العلاقة مع هؤلاء كي لا يستفز الحزب. وقد تجلّى ذلك في أكثر من دائرة انتخابية، خصوصاً الجنوب الثالثة، التي ذهب فيها المستقبل للتحالف مع التيار الوطني الحر والحزب الديمقراطي، وهما حليفان لحزب الله، ولم يذهب المستقبل للتحالف مع المعارضة الشيعية.

حتى في بعلبك- الهرمل، وخلال المفاوضات بين المستقبل والأطراف الأخرى، كان التيار الأزرق يصرّ على تمثيل التيار الوطني الحر بهذه اللائحة، وكان الهدف عدم اتخاذ موقف حاد تجاه حزب الله وحلفائه، بحيث يضمن المستقبل بذلك التحالف خرقاً في المقعد السنّي على حساب الخرق الشيعي. لتأتي هذه الزيارة الآن، في سياق القضاء على فرصة الشيعة المعترضين بإيصال نائب شيعي على خصومة مع حزب الله، مقابل أن يكسب المستقبل نائباً سنّياً واحداً، رغم رفع شعار أن مقعداً شيعياً في هذه الدائرة يساوي 127 مقعداً.