الغائب الأكبر عن محمولات عربات هذا القطار هي البرامج الإنتخابية العملية والواقعية والقابلة للتنفيذ والتي تستند إلى العقل
 

وانطلق قطار الجولات الإنتخابية يمخر عباب الواقع اللبناني المفعم بالمفاسد والموبقات والرذائل ويجر خلفه سيل من العربات المتخمة بالوعود الرمادية والسندات المؤجلة الدفع حتى اشعارات أخرى، وترفرف عليه الأعلام من كل الألوان، الأصفر والأزرق والأبيض والأخضر والبرتقالي باستثناء علم الوطن المرمي في زاوية الإهمال والنسيان، وهو يجوب الطرقات على مساحة البلاد طولا وعرضًا، ويلف هذا القطار يافطات تتحدث بجميع اللغات، الفارسية والسعودية والسورية والقطرية والأميركية والفرنسية وتنطق اللهجات الطائفية والمذهبية والسياسية والمذهبية ولا تغيب عنها سوى اللغة الوطنية ويزدان بصور لأشكال بشر، ألفنا رؤية بعضها والبعض الآخر تطالعنا طلات وجوههم البهية لأول مرة وهم يتأهبون لدخول مغارة علي بابا بكل ثقة واطمئنان معلنين براءتهم من الأربعين حرامي الذين استنزفوا خيرات البلد وبركاته ومعظم موارده وأوصلوه إلى حافة الإنهيار والإفلاس. 

إقرأ أيضًا: إفراغ القانون الجديد من إيجابياته
وفي جهة من كل عربة من عربات هذا القطار يركن مستوعب يختزن منسوب كبير من الإتهامات المتبادلة بين أركان السلطة والإفتراءات والتوجه باللائمة من كل طرف الى الأطراف الأخرى لتقصيرها واستغلالها للنفوذ ولفسادها في ممارسة الحكم دون أن يغفل أي مرشح لأي فريق انتمى إحتكار المصداقية والشفافية واستعراض مؤهلاته في حمل الأمانة ولو بلغت القنطار ومشككًا بغيره في حملها ولو كانت مقدار قنطار، متعهدًا بمحاربة الفساد ومكافحته بكل أشكاله واعدًا باستئصاله من جذوره. 
على أن الغائب الأكبر عن محمولات عربات هذا القطار هي البرامج الإنتخابية العملية والواقعية والقابلة للتنفيذ والتي تستند إلى العقل والمنطق والتي تجمع اللبنانيين ولا تعرفهم شيعا وأشتاتًا وأفرقاء متناحرة ومتنافرة وتلك التي تخفف من معاناتهم اليومية في معيشتهم، وتضمن إستقرارهم وأمنهم وتحفظ لهم حقهم في حياة حرة كريمة وتحدّ من إستغلالهم وإنتهاك كراماتهم وتحارب الفساد وسوء الإدارة والرشاوى، وتبعد عنهم شبح الجوع والفقر والظلم والحرمان وتؤمّن لهم الحد الأدنى من إحتياجاتهم الضرورية في الطبابة والإستشفاء والتعليم والشيخوخة. 

إقرأ أيضًا: رصيد الثنائي الشيعي في بعلبك الهرمل إلى تراجع
وإذا كان القانون النسبي للإنتخابات النيابية في الدول الديمقراطية يعتبر من أهم إنجازات أنظمة هذه الدول لأنه الطريقة الوحيدة الذي يضمن التمثيل الصحيح لكافة شرائح المجتمع، وعلى عكس النظام الأكثري الذي يتيح لأكثر من نصف الشعب بقليل أن يتمثل في المجلس النيابي باعتباره السلطة التشريعية وأعلى سلطة في الدول الديمقراطية بينما يحرم أقل من نصف الشعب بقليل من أن يتمثل في هذا المجلس. 
وبالتالي فإن التنافس في الدول المتطورة وذات الأنظمة الديمقراطية كالولايات المتحدة الأميركية ومعظم الدول الأوروبية وبعض الدول الآسيوية، التنافس بين الأحزاب في المعارك الانتخابية يكون وفق برامج سياسية مختلفة عن بعضها البعض، لكنها في نهاية الأمر تلتقي على تقديم الأفضل لشعوبها. 
أما في المشهد الإنتخابي اللبناني، وبعد إقرار النظام النسبي والذي من المفترض أن يؤمن صحة التمثيل فإن الأمور وكما تبدو واضحة فهي مختلفة تمامًا إن كان لجهة غياب البرامج الإنتخابية أو لجهة التحالفات التي تجمع المتناقضات من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار في لائحة واحدة، الأمر الذي يثبط من عزيمة الناخب بالتوجه إلى قلم الإقتراع، مضافًا إلى ذلك فإن بدعة الصوت التفضيلي تزيد من وتيرة التنافس بين أعضاء اللائحة الواحدة والحزب الواحد وكأن هذا القانون الجديد تم وضعه للمزيد من الشرذمة والتفرقة وليس لجمع المكونات اللبنانية وتحقيق وحدتهم.