كنا نجهل بأننا أجهل خلق الله نحن وفقهاء الدين وأحزاب الدين بعلوم العدالة، وقوانينها، وآلياتها، وأبحاثها، وكتبها
 

من سنة 1980 إلى سنة 1998 أيام التقليد الأعمى كنا نعتقد بأن الإنسان حينما يؤمن بالله ويبدأ بالصلاة والصيام سوف يتحول تلقائيًا أوتوماتيكيًا إلى إنسان أمين وصادق وعادل، ونور الإيمان سيمشي بين يديه وسيجعله من أهل الحكمة والفطنة والعلم والتقوى والخشية من نيران غضب الله وسخطه، وسيرى الحق حقاً بلا غموض والباطل باطلاً بلا لبْسٍ والتباس، فينحاز للحق دائما ويخذل الباطل دوما ولو قاده الحق لمواجهة مع أبيه وأمه وأخيه وَوُلْدِه (وحزبه وفقيهه وإمام مسجده) لأنه إنسان مؤمن ميزانه الحق فقط لا تأخذه في الله لومة لائم!

إقرأ أيضًا: هكذا فشلت عملية إختطاف الشيخ حسن مشيمش في فرنسا!

وكنا نعتقد بأن الإنسان المغضوب عليه من الله تعالى والذي تنتظره نار جهنم لِتَصْهَرَ عظامه وتشوي لحمه هو ذلك الإنسان الذي لا يؤمن بالله تعالى، أو يؤمن بالله لكنه مُقَصِّر وكسول ومُهْمِل بعبادة الله، فلا يصلي، ولا يصوم، ولا يجتنب محرمات الشريعة، ولا يُقَلِّد فقهاء الحوزات ذلك الذي يعتقد بأن الدين يَتَجَسَّد عنده بممارسة القيم الإنسانية الفطرية كالصدق والأمانة والوفاء للناس وبنصرة المظلومين وخذلان الظالمين والدفاع عن كل قضية عادلة، كنا نعتقد بأن هذا النوع من البشر هم إما كفار وإما فاسقون، وعلى كلا التقديرين هم من أهل جهنم! وإنَّ أعمالهم الحسنة وأفعالهم الصالحة وسعيهم بالخيرات لصالح عباد الله كلها سوف تذهب هباءً منثوراً وهي كرماد اشتد به الريح في يوم عاصف فلم تترك الريح له عيناً ولا أثر.
وكنا نعتقد بأن الضمير في كيان الإنسان شيء وهمي لا وجود له ولا واقع، طالما الإنسان لا يؤمن بالله، أو لا يقوم بعبادة الله بالصلاة والصيام وتقليد فقهاء الدين والإلتزام بخريطة فتاواهم وأحكامهم التي كنا نعتقد بأنها تُجِيب على كل سؤال وتَفِكُّ كل سِرِّ وتحل كل مشكلة وتعالج كل أزمة وتمنحنا السعادة بأرقى صورها، والعدالة بأجمل حُلَلِها!
إلى حد ستحسدنا عليها سويسرا، واليابان، وكندا، وألمانيا، والسويد، والنروج، والدنمارك، وفرنسا، وأوستراليا، وأميركا!

إقرأ أيضًا: ملحد وماركسي نصير لتنظيم حزب الله!

وبعد 18 سنة أي من سنة 1980 إلى سنة 1998 قضيناها بالأوهام، والخيال، والأحلام، والشعارات الجوفاء المُحَنََطة المُشْبَعَة بالحُقَن، والأفكار المحفوظة حفظاً ليس مسموحا لنا أن نفكر في أي سطر منها، كنا نحسب معها أورامنا السرطانية صحة وعافية وبركة، كنا نجهل بأننا أجهل خلق الله نحن وفقهاء الدين وأحزاب الدين بعلوم العدالة، وقوانينها، وآلياتها، وأبحاثها، وكتبها!! وكنا نسخر ونستهزئ بجامعاتها في الغرب لأننا مُصَابون بِوَهْمِ المعرفة وهو أخطر من الجهل!
إلى أن اكتشفنا أننا مؤمنون لكننا من جنس المؤمنين الحمقى الأغبياء الذين قال عنهم نبي الإسلام محمد(ص):
{المؤمن الأحمق بحمقه يصنع فظائع أشد مما يصنع الفاجر بفجوره}.
وقال الإمام علي(ع) {وَرُبَّ عالمٍ قتله جهله وعلمه معه لا ينفعه}.
ليت فقيهنا قتله جهله؟
لقد قتلنا بجهله وقتل شعوبنا ودولنا بجهله وحمقه، أستطيع القول بيقين وإطمئنان كاملين تامين بأنَّ دين الإسلام قد تم تزويره وتحريفه منذ قرون على أيدي فقهاء الدين وأحزاب الدين كما حُرِّفْتْ سائر الأديان السماوية السابقة بروايات عجيبة غريبة مريبة وبتفسيرات تستند إليها [وفتاوى جاهزة وأحكام شرعية مُعَلٌَبَة] مستحيل معها أن نعرف مدخل الطريق نحو العدالة، وسبيل الدولة العادلة، وأن نذوق حلاوتها!
مستحيل أن تصنع مجتمعا راشداً ورشيداً نظيفا دماغه من تقديس غير المقدس عالماً بمبادئ حقوق الإنسان ومؤمنا بها من دون الوقوف على دينه ومذهبه.