كل الاستحقاقات السياسية في لبنان مؤجلة إلى ما بعد الانتخابات النيابية. فما بعدها لن يكون كما قبلها، سواء أكان على الصعيد السياسي أم على صعيد العلاقات اللبنانية- العربية، خصوصاً بالنسبة إلى دول الخليج، التي استعادت زمام مبادراتها وتقديم المساعدات للبنان، والمشاركة في المؤتمرات الدولية. ثمة من يتحدث عن استخدام المملكة العربية السعودية لاعتماد القوة الناعمة في المواجهة السياسية مع إيران وحلفائها. لذلك، هي لا تريد اتخاذ مواقف تصعيدية تؤدي إلى انعكاسات على الاستقرار السياسي. الانتخابات ستكون محطة أساسية لاستشراف آفاق المرحلة المقبلة. وهذا ما جرى التوافق عليه مع الرئيس سعد الحريري.

تركت السعودية الخيار للحريري في صوغ تحالفاته الانتخابية، التي لن يكون لها أي تأثير على التحالفات السياسية. توافق السعودية على مبدأ التحالفات وفق حسابات المصالح لكل طرف، لكنها في المقابل حريصة على حلفائها، ولن تتخلى عن أي منهم. ووفق مصادر متابعة، فإن السعودية حريصة على القوات اللبنانية وعلى كل حلفائها الآخرين إلى جانب تيار المستقبل. تضيف المصادر: "لم تتخل السعودية عن اللواء أشرف ريفي، ولن تتخلى عن أي من حلفائها، لكن الآن الأمور متروكة إلى ما بعد الانتخابات". 

أما عن العلاقة بالحريري، فتعتبر المصادر أنها علاقة استراتيجية وغير قابلة للاهتزاز، فيما المرحلة التقييمية ستكون بعد الانتخابات أيضاً. ذلك أن السعودية اتخذت قراراً بعدم التدخل في تفاصيل الملف الانتخابي، وترك الحرية لحلفائها. أما بالنسبة إلى تقديم الدعم المالي، فتقول المصادر إن الأمر غير مطروح حالياً، فيما قد تحصل بعض التسهيلات بشأن أعمال وأموال الحريري في السعودية، التي قد يستفيد منها انتخابياً. أما المال السياسي فحتى الآن لا وجود لقرار بصرفه. فيما هناك من يعتبر أن تقديم المال السياسي للمستقبل سيكون مقروناً بمدى التحالف مع القوات اللبنانية.

ربطاً بهذا الكلام، تتوقف المصادر المتابعة عند إصرار القوات على الإشارة إلى أن التفاوض مع المستقبل انتهى، والتحالف اقتصر على دائرتي بعلبك- الهرمل وعكار. فيما المستقبل يرفض ذلك، ويعتبر أن الأمور لا تزال مفتوحة. بين موقف القوات وموقف المستقبل، ثمة رسائل يجري تقاذفها. تريد القوات حشر المستقبل، ويريد المستقبل أن يقول إن التواصل مع القوات لم ينقطع. وتكشف مصادر متابعة، أنه بعد تسرب الأجواء القواتية عن انتهاء التفاوض، جرى اتصال بين الوزيرين نهاد المشنوق وملحم الرياشي، للقول إن البحث لم ينته. وتخلل الاتصال بعض من العتب، خصوصاً أن النظرة القواتية تخلص إلى اعتبار أن المستقبل تحالف مع القوات في دوائر غير مهمة، فيما التحالفات المهمة، مثل بيروت الأولى وزحلة وغيرهما، اختار المستقبل التحالف مع التيار الوطني الحر. فيما الرهان على التعاون المستقبلي- القواتي سيبقى معلّقاً إلى ما بعد الانتخابات.

وبمعزل عن الحسابات الانتخابية، فإن الامتحان سيكون في مرحلة ما بعد الانتخابات. ستعيد السعودية بالتعاون مع المجتمع الدولي إحياء جبهة "حماية الدولة" التي سينضم إليها المستقبل، التيار، القوات والحزب التقدمي الاشتراكي، بالإضافة إلى قوى أخرى. وتتحدث المصادر عن أن هذه المساعي تحظى باهتمام غربي وأميركي تحديداً، إذ إن الأميركيين يعملون أيضاً على مبدأ الفصل بين الرئيس ميشال عون وحزب الله، سواء أكان عبر الضغوط الاقتصادية وتهديد مسيرة العهد، أو عبر التطورات السياسية.

تشير قراءة بعض المصادر إلى أن إصرار التيار على عدم التحالف مع الثنائي الشيعي في عدد من الدوائر ينطوي على رسائل موجهة إلى الغرب تفيد بأن التيار ينفصل عن حزب الله ومشروعه. وهذا الموقف يأتي استجابة إلى حجم الضغوط الدولية، وقد ترجم في مواقف خلافية عديدة بين الوزير جبران باسيل وحزب الله. تتوقع المصادر أن يزداد هذا الشرخ بين الحليفين، وتلفت إلى رهان على إبعاد التيار عن حزب الله، وتعزيز علاقة عون والعهد مع السعودية وواشنطن. وتعتبر المصادر أن عون سيجد أن مصلحته ومسيرة إنجاح عهده ستفرض عليه التجاوب مع المطالب الدولية. ويعلم باسيل أن الثنائي الشيعي يضع فيتو أمام وصوله إلى رئاسة الجمهورية. لذلك، يحرص على تقديم مواقف إيجابية لمصلحة المجتمع الدولي، على قاعدة حماية مصالحه مع الطرفين.

ثمة رهان على حصول ما يشبه ما حصل في عهد الرئيس ميشال سليمان، الذي بدأ حليفاً لحزب الله وعلى وئام معه، فيما انتهى عهده على خصومة تامة. ويعتبر هؤلاء أن هناك إمكانية لتكرار التجربة مع عون، ويستندون في قراءتهم هذه إلى الأجواء الدولية التي أبلغ بها اللبنانيون. كما يشيرون إلى أن الزيارة الأولى التي أجراها عون كانت إلى السعودية، وهي ستتكرر بذهابه إلى القمة العربية، فيما لم يزر إيران رغم الدعوات التي تلقاها. وهذا مؤشر يجب البناء عليه، بمعزل عن الخلافات التي حصلت لاحقاً. لكن في المستقبل، فإن البناء سيكون على هذا المعطى، عبر محاولة إبعاد حلفاء حزب الله عنه، وإيجاد سبيل لعزله.