مرّة أخرى يجري مجلس الأمن مراجعة لتنفيذ القرار 1701 الذي أنهى حرب العام 2006 بين “حزب الله” واسرائيل، وكما في كل مرّة يدور النقاش حول تقرير يقدمه الأمين العام للأمم المتحدة في ضوء ما أُحرز أو لم يُحرز من تقدم في تعزيز سلطة الدولة. ويصف أنطونيو غوتيريش الدولة اللبنانية بأنها “ضعيفة” على رغم اشارته الى “الانتشار الواضح” للجيش اللبناني في الجنوب. أما ضعف الدولة فله سبب أكثر وضوحاً، وهو أن “حيازة أسلحة من جانب حزب الله ومجموعات اخرى خارج إطار الدولة لا تزال تحدّ من قدرة الحكومة من بسط سيادتها وسلطتها على كل أراضيها”…

هذا الكلام يتكرّر، ليس منذ اثنتي عشر عاماً فحسب، بل منذ الانسحاب الاسرائيلي من الجنوب عام 2000، من دون أن يكون هناك أي بوادر تغيير للمعادلة: فالدولة والخارج الذي يريد مساعدتها باتا أسيري “الحزب”، ومع ذلك ينتظر الخارج مبادرة من الدولة. أما “الحزب” الذي لم يُطالَب في الوقت المناسب بتسليم أسلحته فمضى يخزّن منها كمّاً ونوعيةً، ولا يُتوقّع منه أن يسلّمها طوعاً، وأصبح تسليمها بالتوافق أكثر صعوبةً وتعقيداً. هو يعلم، بلا شك، أنه صار حاجزاً أمام تطبيع الوضع اللبناني، وأن اللبنانيين مدركون أن ايران ومشروعها التوسّعي محور اهتمامه وأنه لا يكترث بالدولة ومؤسساتها ولا بالاقتصاد ومعيشة الناس، لكنه لا يخشى أي محاسبة، لا بالدستور والقوانين ولا بالانتخابات، كونه فرّقَ وسادَ مشترياً أو مرهباً كل من يسائله عن سلاحه غير الشرعي.

يتعامل المجتمع الدولي مع لبنان كما لو أنه “دولة على الورق” لكن عوامل كثيرة، ليس بينها “حزب الله”، تجعلها غير ميؤوس منها بعد. واذا كان مؤتمر روما دلّ مجدّداً الى شيئ فهو أن الأفضل لهذا البلد أن ينأى بنفسه وأن يُنأى به عن الصراعات المحيطة به. ولا معنى سياسياً لذلك سوى أن “يُحيَّد”، والنأي أقل درجةً من “الحياد” الذي لا يرى فيه البعض سوى التطبيع مع اسرائيل.
كان يمكن لفترة الصراع الداخلي السوري أن تشكّل تجربةً لهذا النأي/ الحياد لو أن وطنية “حزب الله” ألزمته بـ “اعلان بعبدا” الذي اعتُمد وبحضوره وموافقته بدل أن تُخضعه أيديولوجيته لأوامر الولي الفقيه. ففي تلك الفترة حاول النظامان السوري والايراني توسيع الصراع الى لبنان سواء بافتعال فتنة طائفية أو بتوظيف الجماعات الارهابية، فيما بذلت مجموعة الدعم الدولي جهوداً مضادة لمنع ذلك، وعندما شنّت حملات متوازية ومتزامنة لطرد الارهابيين كانت حاجة النظامَين اليهم في منطقة الجرود قد انتفت. كانت تلك فترة وجد فيها الجميع، بما في ذلك اسرائيل، مصلحةً في عدم تخريب لبنان. إذاً لا بد من استراتيجية دفاعية تطوّر هذه التجربة، ولا يمكن لأي استراتيجية أن تشرعن سلاحاً غير شرعي.