بعيداً من استباق المسار القضائي مع المقدم سوزان الحاج، بتهمة فبركة ملفات من بينها ملف العمالة للممثل زياد عيتاني، ما حصل في هذه القضية مدعاة خوف زرع في نفوس اللبنانيين، بأنهم قابلون للتحول إلى ضحايا في حسابات شخصية وصراعات وظيفية، أو طموحات جامحة لدى من هم في مواقع متقدمة في الدولة. وفي مقابل الملامة على التسريبات التي طاولت عيتاني والاعترافات التي نُسبت إليه ومنها اتهامات خطيرة، لا يمكن الدخول في إصدار الأحكام الإعلامية بحق المقدم الحاج، فهي بريئة حتى تثبت إدانتها، خصوصاً أنها نكرت ما نُسب اليها أمام القاضي رياض أبو غيدا، فيما يؤكد وكيلها الوزير السابق رشيد درباس أن لا أدلة تدينها، ولا تسجيلات صوتية توضح مطالبتها بفبركة الملف لعيتاني.

لكن، مقابل عدم محاكمة الحاج إعلامياً، فرض الواقع نفسه على الوقائع اللبنانية منذ اللحظة الأولى. فكل مواطن أو صاحب رأي مختلف قد يكون عرضة لفبركة ملف، أو لضغط سياسي أو عسكري، يحوّله إلى ضحية. لم يكن زياد عيتاني وحده الضحية على مذبح هذا النوع من الصراعات. الكلام عن صراع الأجهزة، أو بعض الضباط، يجري التداول فيه بين أوساط سياسية وعسكرية. وهذا ما يحتاج إلى عملية تصويب إدارية لكل هذه الأسلاك. موضوع عيتاني يفتح الباب على استشعار فائض القوة لدى بعض المتنفذين، ليس من هم في الأسلاك العسكرية أو الإدارية للدولة، بل حتى بعض متنفذي الأحياء والشوارع، الذين حولوا كثيرين إلى ضحايا سلاح متفلّت.

ستفتح براءة عيتاني ملفات عديدة، الواجب معرفة استثمار اللحظة، لتعزيز منطق الحريات، وحماية أبسط الحقوق المدنية في دولة تدّعي الديمقراطية. كل الجو التضامني مع عيتاني، سينسحب بالنسبة إلى كثيرين على ملفات أخرى، من بينها ملفات موت موقوفين تحت التعذيب. استعادة عيتاني حريته واسقاط التهمة عنه، وإعلان براءته، أمور تفرض على المتعاطفين معه وعلى مختلف الفئات الاجتماعية، العمل للخروج من حالة الانكماش الاجتماعي، وتحويل الخوف الذي يدب في قلوب آلاف الناشطين المستدعيين إلى مكاتب التحقيق، إلى عنصر توحيد الجهود، في إعادة إنتاج منظومة وقائية بوجه أي محاولة رسمية أو غير رسمية لتحويل الدولة إلى بوليسية مرتكزة على فبركة الملفات. فعيتاني ليس وحيداً، ولو لم تتوافر ظروف متعددة لإظهار براءته، لكان بقي منسياً في السجن، ولحق به كثيرون.

لحظة إعلان خبر توقيف عيتاني، دبّ الذعر في قلوب آلاف اللبنانيين، خصوصاً الذين لم يقتنعوا بأسباب التوقيف وبكل التهم التي وجّهت إليه. تحول الخوف إلى عزيمة في المواجهة وإعلان البراءة، لكن أيضاً كان في حساب كثيرين، أن زياد ليس هدفاً بحدّ ذاته، ربطاً بكل الاستدعاءات والاتهامات التي سيقت بحق عشرات الناشطين. والتهم واضحة، إما بالعمالة لإسرائيل أو التعامل مع مجموعات إرهابية. في التهمتين بعد جرمي لتعطيل الآخرين وفق قواعد الترهيب. كان في امكان المفبركين، فبركة ملفات لآخرين ممن رفعوا الصوت ضد ما نسب لعيتاني. المسؤولية لا تقع على عاتق ضابط فحسب، بل على منظومة قائمة على مبدأ استشعار فائض القوة، واستثماره في ترهيب الآخرين. وما يخيف أكثر، هو أن ممارسة هذا الترهيب تلبس لبوساً مؤسساتياً.

قبل أسابيع، أوقف ناشط لدى أحد الأجهزة الأمنية وتعرّض لأبشع أنواع التعذيب، لأنه نشر رأياً على وسائل التواصل الاجتماعي يؤيد الثورة السورية. حصل ذلك، بعيداً من تسريب أي خبر، لأن الناشط وقّع على تعهّد بعدم إعلان ما تعرّض له. وكما تعرّض هذا الناشط، بسبب رأيه السياسي، كان بالإمكان أن يتعرّض غيره على خلفية توقيف عيتاني. 

المقصود هنا، هو الردّ على المزايدين على المخرج يحيى جابر، أحد شركاء زياد، والذي كان بالإمكان أن يكون هدفاً لفبركة مماثلة. موجة الاستدعاءات على خلفية اختلاف الآراء، والتي سبقت توقيف زياد عيتاني، كان بإمكانها أن تشمل جابر أيضاً، والأخير سيكون صيداً أثمن. جابر لم يخن، بل كان يتوقع الأسوأ.