كشف رئيس الجمهورية ميشال عون أنّ «الاستراتيجية الدفاعية الوطنية ستكون موضعَ بحث بين القيادات اللبنانية بعد الانتخابات النيابية في أيار المقبل، والتي ستنبثق منها حكومة جديدة»، وكان وزير الداخلية نهاد المشنوق أكّد في مواقف عدة أنّ الاستراتيجية الدفاعية ستناقش بعد الانتخابات النيابية
 

معلومٌ أنّ الملفّ الخلافي الأبرز بعد خروج الجيش السوري من لبنان يكمن في سلاح «حزب الله» ودوره، ومعلومٌ أيضاً أنّ كل طاولات الحوار التي خُصِّصت للبحث في هذا السلاح تحت مسمى «الاستراتيجية الدفاعية» فشلت فشلاً ذريعاً، وذلك لسبب بسيط هو أنّ «حزب الله» ليس في وارد تسليم سلاحه للدولة اللبنانية ولا البحث في دوره الإقليمي أو دوره الخارج عن الدولة.

ومعلومٌ أيضاً أنّ نزع سلاح «حزب الله» كان مطلباً دولياً، وتمّ التحايلُ على هذا المطلب الذي ورد واضحاً في متن القرار 1559 عن طريق حوار لبناني - لبناني في محاولة لمنح اللبنانيين فرصة نزولاً عند مطلبهم، فتمّ تجميدُ مفاعيل القرار 1559 في انتظار ما ستؤول إليه الحواراتُ اللبنانية، وهذا التجميد ما زال مستمرّاً...

وقد تحوّلت طاولات الحوار حوار طرشان أو حوار للحوار أو حوار للصورة من دون أيِّ أفق ولا نتيجة، وقد قيل حينذاك إنّ الصورة في حدّ ذاتها تشكل مطلباً كونها تؤدّي إلى تنفيس التعبئة والاحتقان، وبالتالي تمنع انزلاقَ الأمور نحو الأسوأ، نحو الهاوية.

وهذا التقدير لم يكن في محلّه، بدليل أنّ الحوار هو قيد التجميد منذ ما قبل نهاية ولاية الرئيس ميشال سليمان وإعلان «حزب الله» الشهير عن «إعلان بعبدا» وبالعامّية «بلّوا وشربوا ميتو»، فيما عاد تيار «المستقبل» واستأنف الحوار ثنائياً مع الحزب ومن دون صورة تحت عنوان تنفيس الاحتقان السنّي - الشيعي.

وما يجدر ذكره أنّ «حزب الله» لم يتجاوب حتى مع دعوات «المستقبل» في الحوار الثنائي ليس لتسليم سلاحه، وإنما لم يتجاوب لتنفيذ الخطة الأمنية في البقاع والضاحية بحثاً عن المطلوبين والصادرة في حقهم مذكرات توقيف ومن أجل تطبيق القانون سواسية على جميع اللبنانيين.

فهناك مشكلة فعلية اسمها سلاح «حزب الله»، والتعامل معها يجب أن يكون على قاعدة حصر أضرارها وتطويق مفاعيلها وتعطيل تأثيراتها من قبيل التصدّي للحزب وطنياً وبموقف حازم وحاسم في حال قرّر استخدامَ سلاحه في الداخل أو تحويل لبنان ساحة إيرانية أو إدخال فصائل ممانعة اليه، وحسناً تصرّفت الحكومة بإصدار مذكرة توقيف في حقّ الشيخ الخزعلي في رسالة واضحة أنّ لبنان ليس ممرّاً لفصائل الممانعة وليس ساحةً مستباحةً وحدودَه ليست سائبة.

وإذا كان نزع سلاح «حزب الله» بالقوة غيرَ ممكن وغيرَ مطلوب، واذا كان تسليم الحزب سلاحَه أمراً مستحيلاً وغيرَ وارد، فالمطلوب الاستمرار في السياسة نفسها التي اتُّبعت منذ العام 2005 لجهة ربط النزاع معه، ولكن بنحوٍ حازم أكثر، بمعنى أنّ أيّ تجاوز من أيّ طبيعة للدولة يجب أن يدفع رئيس الحكومة مثلاً إلى تعليق أعمال مجلس الوزراء، وعدم العودة عن قراره قبل أن يتعهّد الحزب بعد تكرار فعلته.

فسلاح الحزب يصيب من لبنان مقتلاً في اللحظة التي يتمّ التعامل مع هذا السلاح من منطلق الخوف وموقع الضعف، فيما بالإمكان تحويله مجرد خُردة إذا حافظ لبنان على تشدّده حيال أيّ تجاوز لقرار الحكومة اللبنانية التي أعلنت في بيانها الوزاري وكرّرت في بيانها الاستثنائي على أثر عودة الرئيس سعد الحريري عن استقالته بأنها تتمسّك وتتشدّد في سياسة «النأي النفس» والتي تريدها سياسةً فعليّةً لا صوَريةً وشكليّة.

فالمسألة قبل أيِّ شيءٍ آخر هي مسألة موقف وإرادة وتصميم وعدم التهاون مع كل ما يمسّ السيادة اللبنانية ويعرِّض أمن اللبنانيين للخطر ويمسّ علاقات لبنان الخارجية، ولا يجب إطلاقاً مجرد التفكير بردّة فعل «حزب الله» على خطأ ارتكبه بحقّ لبنان واللبنانيين، إنما يجب تحميلُه مسؤولية أفعاله عبر تعليق أيّ مساكنة معه في حال أقدم على أيِّ فعل خارج إطار الإجماع اللبناني والحكومي.

ومن هنا لا حاجة الى حوار ولا استراتيجية دفاعية إلّا في حال كان هذا الحوار مشروطاً بهدفين: مدة زمنية واضحة المعالم، أي حوار محدَّد زمنياً وغير مفتوح، وتسليم الحزب سلاحه للدولة اللبنانية، وكل ما عدا ذلك لا يجدي نفعاً، إلّا إذا كان الهدف على طريق حوار ما بعد 2006 إمرار الضغوط الدولية ضد «حزب الله»، وهذا ما لا يُفترض إمراره، إذ على الحزب أن يتحمّل مسؤولية أفعاله حيال المجتمع الدولي.

ولا يجب على المجتمع الدولي التحفّظ عن تسليح الجيش تذرّعاً بـ«جيش حزب الله» الرديف، لأنّ تقوية الجيش والدولة بكل مؤسساتها واجب على المجتمعَين الدولي والعربي، لأنّ إضعاف الدولة والجيش يخدم الحزب لا العكس، فيما لا مصلحة للعهد الذي تربطه علاقة ثقة بالحزب الدخول في حوار من دون نتيجة والظهور بمظهر العاجز، بل الأجدى أن لا يُصار إلى تسليط الضوء على حوار مقطوع الأمل منه، وإيهام الناس بأنّ ما لم يتحقّق سابقاً يمكن أن يتحقّق اليوم، لأنه لن يتحقّق أيُّ شيء.

ويبقى أنّ أقوى اختبار لنيات «حزب الله» أجراه رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع الأكثر تشدّداً في الشأن السيادي، والذي سيخصّص قسماً رئيساً من خطابه اليوم في هذا الموضوع، عندما دعا الحزب إلى الاحتفاظ بسلاحه موقّتاً شريطة وضع قرار استخدامه في يد الدولة اللبنانية التي يشارك فيها، ورفض الحزب هذا الإقتراح شكّل أقوى دليل للمرة المليون على أنّ السلاح وقرار استخدامه... إيرانيّ بامتياز.