يا ليت جور غازي كنعان دام لنا، ويا ليت عدل حزب الله في النار. بهذا البيت الشعري، يوصّف مسؤول قريب من حزب الله حال حلفاء الحزب مع التحالفات الانتخابية. يقول الرجل ذلك، ردّاً على سؤال عن الخلافات بين الحزب والتيار الوطني الحر، للاستدلال على أنه لا يريد إجبار حلفائه على حساباتهم وتحالفاتهم الانتخابية. فهو يترك لهم حرية الخيار وفق مصالحهم، لسبب أساسي أن المعركة الانتخابية ليست معركة سياسية، بل هي معركة الحواصل، والحصول على أكبر عدد من المقاعد. والمعركة السياسية تبدأ بعد الانتخابات.

يحرص الحزب على التيار الوطني الحر، وعلى الوزير جبران باسيل، رغم أنه "متعب"، ولديه حسابات تختلف عن حسابات رئيس الجمهورية ميشال عون، الحليف الاستراتيجي لحزب الله. باسيل هو رئيس التيار الوطني الحر، والتعاطي معه يحصل بناء على موقعه، وليس على شخصه ومواقفه. أهمية التحالف تحتّم على الحزب التغاضي عن كثير من التجاوزات. لذلك، لا يتدخل الحزب في تحالفات التيار، ولا يتدخل في تحالفات حلفائه. جرت محاولات عدة لجمع كمال الخير وجهاد الصمد وفيصل كرامي في الشمال، لكن هذه المحاولات فشلت، ولم يلجأ الحزب إلى العصا لجمع حلفائه. الأمر نفسه تكرر في الشوف- عاليه، بين النائب طلال ارسلان ووئام وهاب. وتكرر ذلك في زحلة بين النائب نقولا فتوش وميريام سكاف. فيشير المصدر إلى أن حلفاء الحزب يطلبون منه التدخّل بالقوة لجمع اللوائح ونسج التحالفات، بدلاً من ترك الأمور على عواهنها، وما ستستدعيه من انعكاسات سلبية مستقبلاً.

وكما تعاطى مع حلفائه، يتعاطى مع خيارات الوزير باسيل، الذي يذهب بعيداً في التحالف مع المستقبل، ويلجأ إلى مواجهة حزب الله في العديد من الدوائر. يفصل حزب الله بين باسيل ورئيس الجمهورية، ويشير المتابعون إلى أن وزير الخارجية، ينسى أنَّ بفضل الحزب وصل إلى ما وصل إليه من إدارة شؤون البلاد، لكن عون لا ينسى. ولذلك ينطلق باسيل في طروحاته من مبدأ التحرر من كل الأثقال أو الديون. ولذلك يقدّم نموذجاً للدول الخارجية، يعطي انطباعاً بأنه ليس أسيراً للحزب، ومنفتح على كثير من الخيارات، من بينها الانفتاح على المستقبل وعلى المجتمع الدولي.

في نظرة الحزب، فإن القانون الانتخابي الذي أصرّ باسيل على انتاجه، انقلب ضد مصلحته. يخوض رئيس التيار الوطني الحر معركة رئاسة الجمهورية باكراً. لذلك، يسعى للحصول على أكبر كتلة نيابية مسيحية. في ظل الواقع الحالي، هذا غير متاح. لذلك، طالب حزب الله بمنحه كل المقاعد المسيحية في الدوائر المشتركة بينهما. الأمر مرفوض بالنسبة إلى الحزب الذي لا يتخلى عن حلفائه. فلجأ باسيل إلى ردّة فعل عكسية، بترشيح لوائح مضادة، بدأت ارهاصاتها من رفض تبني ترشيح الشيخ حسين زعيتر في جبيل.

ما يريده باسيل، هو تعزيز التحالف مع المستقبل والمجتمع الدولي، ليصبح رئيساً للجمهورية. ولكن ردّ الحزب يأتي مختصراً: "كما لباسيل خيارات منفتحة، لدينا خيارات منفتحة أيضاً". يصف الحزب المنطق السياسي والانتخابي الحالي لباسيل بمنطق الاستحواذ. يريد الاستحواذ على النواب من كل الأطراف وفق كل أشكال التحالف، كما يريد الإاستحواذ على الرضى المحلي والإقليمي، على طريق معركته الأساسية.

بالنسبة إلى حزب الله، لا تكمن المشكلة في التحالفات الانتخابية، لأن مفهومها رقمي وعددي، والمعارك ستكون على الحواصل، وليس على الخيارات السياسية. المعركة الرئيسية ستكون بعد الإانتخابات، بحيث ستكون مرحلة تحديد هوية رئيس الحكومة، شكل الحكومة وتوازناتها، وجهتها السياسية. إقرار قانون انتخابي جديد، سيكون عنواناً جديداً من عناوين المعركة، وكذلك الإنتخابات الرئاسية المقبلة. وهذه ستكون مرتبطة بمعطيات متعددة، منها ما هو داخلي، وآخر خارجي يتعلّق بالتطورات الإقليمية والدولية.

وعلى هذا الأساس، ستتحدد مسألة الأكثرية والأقلية في المجلس النيابي. وهذا سيكون عامل جذب ومد وجزر بشكل مستمر وفق كل استحقاق سياسي. لذلك، يتمسك الحزب في إيصال أكبر عدد من حلفائه وإن على لوائح خصومه. يمسك الحزب العصا من الوسط، في أحد جانبيها سيعمل على التقريب بين حلفائه، كوهاب وإرسلان في الشوف، لأن هناك إمكانية لتسجيل خرق على أحد المقاعد الدرزية وفق هذه الرؤية. وفي جوانب أخرى، يدع خصومه يرشحون حلفاءه، كما حصل مع ترشيحات الحريري بشأن أربعة أو خمسة مرشحين.

يعرف الحزب أنه سيسجل اختراقات في صفوف كل الكتل السياسية، ويتوقع خرقاً أساسياً في بعلبك- الهرمل، التي ستكون معركة كبيرة جداً سيخوضها حزب الله في مواجهة محاولات كثيرة، لإظهار أنه مرفوض داخل بيئته، خصوصاً إذا ما تركزّت المعركة على تحقيق خرق بالمقعد الشيعي.