يدرك الوزير جبران باسيل أنّ كتلة «التغيير والإصلاح» ستتقلَّص بعد الانتخابات، وهذا هاجس يقلقه. فهو يعرف أنّ هناك معركة قاسية تنتظره بعد الانتخابات، ولا مجال فيها لخسارة أيٍّ من عناصر القوة. كما أنّ العهد سيكون في حاجة ماسّة إلى كتلة داعمة. ولكن، في الوقت عينه، هناك معارك يخشى باسيل أن يخسرها نظراً إلى أهمّيتها الرمزية
 

يوزِّع باسيل هواجسه في هذه الأيام بين 3 معارك لها رمزيّاتها الحيوية:


1- لا يريد أن يخسر معركته في البترون (الشمال الثالثة) لأنّ ذلك يكرِّس انتكاسته الثالثة في هذه الدائرة. وليس منطقياً أن يفشل في أن يكون نائباً مَن يطمح إلى الزعامة المسيحية الأقوى، بل إلى تولّي موقع الرئاسة بعد الرئيس عون! والخسارة هنا، إذا وقعت، ستكون أمام اثنين من أقوى المنافسين مسيحياً: الدكتور سمير جعجع والنائب سليمان فرنجية.


2- لا يريد أن يخسر معركة كسروان- جبيل. ففي كسروان رمزية مقعد رئيس الجمهورية، الذي يخوضه من خلال العميد شامل روكز. ولكن أيضاً، رمزية المقعد الشيعي الوحيد في «الدوائر الجبلية المسيحية».


ففي جبيل، اصطدم «التيار» بتسمية «حزب الله» مرشحاً حزبياً، من دون التنسيق معه، ومن خارج القضاء. ولم يسكت باسيل عن هذا الوضع، بل «بقّ البحصة» وأسمَع حليفه الشعي صوتَ اعتراضه واستيائه.


3- لا يريد أن يخسر باسيل معركة جزين. فهو الذي وعَدَ ذات يوم بتحريرها من يد الرئيس نبيه بري. ولكن، في ظل القانون النسبي «المبندق» بالصوت التفضيلي، من المؤكد أنّ باسيل سيخسر أحد المقعدَين المارونيَّين في جزين.

ويدعم رئيس المجلس ترشيح ابراهيم عازار، نجل النائب الراحل سمير عازار الذي كان الرمز الجزّيني الحليف له على مدى سنوات. وإذ يتضامن «حزب الله» مع بري في اللائحة، فإنه بالتأكيد سيمنح أصوات ناخبيه الشيعة لعازار الإبن، فيصبح مقعده مضموناً.

لكنّ مشكلة باسيل في جزين ليست فقط مع بري، بل أيضاً مع الحريري الذي خسر أيضاً أحدَ المقعدَين السنّيَين، مقعد الرئيس فؤاد السنيورة. وإلى جانب النائبة بهية الحريري، سيكون المقعد محجوزاً للمرشح المدعوم من «حزب الله» أسامة سعد.

وفي حسابات «المستقبل» هناك، أنّ التحالف مع باسيل سيكون مفيداً لـ«التيار» في جزين، لكنه لن يكون مفيداً لـ«المستقبل» في صيدا، بسبب الفارق في أعداد الناخبين بين الدائرتين الصغريَين. ولذلك، تعمل النائبة الحريري على إقناع باسيل بأن يكون المقعد الكاثوليكي في جزين من حصة «المستقبل».

صورة المقعد الكاثوليكي الحالي في جزين هي الآتية: هناك رجل كاثوليكي في المجلس النيابي الحالي، عن جزين، وهو عضو في تكتل «التغيير والإصلاح»، ويدعى عصام صوايا. لكنّ هذا الرجل لا يعرفه أهل المنطقة وربما لا يعرفه الكثيرون من رفاقه في «التكتل». وقلائل جداً من اللبنانيين شاهدوا صورته على الشاشة أو في صحيفة، لأنه متفرِّغ لأعماله في الخارج ويُستَدعى عند الحاجة، لا من أجل أن يُسْمَع صوتُه، بل لكي يُدلي بِصوته.

ولكن، على رغم ذلك، يعتبر باسيل أنه سيصاب بنكسة إذا تنازل عن هذا المقعد الكاثوليكي، على عِلّاته، للحريري بعدما خسر المقعد الماروني أمام بري، فبات نواب جزين الثلاثة موزَّعين مثالثةً وبالتساوي بين عون وبري والحريري.

في هذه الحال، قد تكون جزين «دائرة نموذجية» لا مثيل لها في كل لبنان، لأنّ السلطة كلها، بمثلَّث رجالها، تهافتت عليها: رئيس الجمهورية ورئيس المجلس ورئيس الحكومة!

من المفترض أن تكون جزين «محظوظة»، إذ يجب أن يتهافت عليها «المحبّون» لإنقاذها من الحرمان ووقف هجرة أبنائها ونزوحهم ونزف الطاقات، ولإطلاق وُرَشِ التنمية فيها… لعلّ أبناءَها لا يموتون قبل الوصول إلى باب المستشفى.

ولكن، إذا تعاطى باسيل مع الخسارة المارونية الجزّينية أمام بري، أو الخسارتين المارونية والكاثوليكية أمام بري والحريري، بكيدية، وردّ عليه المنافسون بكيديات أخرى، فستكون الضحية جزين لا باسيل ولا سواه.

يمكن أن يقال ذلك عن الكيديات المحتملة في «الدوائر المسيحية» الأخرى، فيما كان المسيحيون موعودين من زعمائهم بقانون المنّ والسلوى الذي سيردّ الاعتبار إلى التمثيل المسيحي، ونائمين على أحلام «أوعى خيَّك»... «إذا وِعِي خَيّك»، يوماً ما!