يمكن التخمين بسرعة، أنّ إسرائيل ترفع عقيرة تهديداتها «الشاملة» ضد لبنان و«حزب الله» و«النفوذ» الإيراني الممتد من شواطئ المتوسط حتى الحدود الجنوبية السورية.. في سياق كباشها الراهن مع الدولة اللبنانية، في شأن الموضوع النفطي وترسيم، أو تصحيح ترسيم، الخط الحدودي براً وبحراً.

وذلك استنتاج تُجيزه (ربما؟) ضرورات التفاوض في شأن قضايا استراتيجية، مثل النفط والحدود.. وتبرّره مقتضيات التكتكة للوصول إلى الغاية المنشودة. أي أن يطلب المفاوض سقف الغرفة فيما هدفه الحصول على الكرسي في الغرفة! مثلما تجيزه تحديداً، آليات العمل الإسرائيلي المعتادة التي تدمج تلقائياً، بين التهويل والتهديد والتحرك على الأرض، وبين التفاوض والابتزاز.

لكن، «يجوز» التحليل والافتراض والظنّ السعيد، بأنّ التهديدات الإسرائيلية الجديدة، ليست جديدة! وليست مقطوعة عن سياق مستدام أساسه الضخّ المتواصل عن «مخاطر» «حزب الله» ومخزونه الصاروخي و«النفوذ» الإيراني في «ساحتَي» لبنان وسوريا. وإن ذلك الضخّ البلاغي والإعلامي قائم في واقع الحال على مدار الساعة. ويكاد لا يمر يوم واحد، من دون ملاحظة شيء منه، أكان في الإعلام أم في التصريحات أم في المناورات العسكرية الميدانية، أم في الجولات الحدودية لكبار المسؤولين والعسكريين الإسرائيليين.

.. حتى اعتدنا على تلك الحقيقة. وصارت هذه العادة أقل مدعاة للقلق والتوجّس!

ولهذا الاستنتاج بعض مبرّراته. وأولها الأمر الواضح وضوح شمس آب، لجهة «نجاح» القرار الدولي 1701 في تأمين هدوء سيبيري على الحدود الجنوبية، لم تقطعه منذ وضعه في العام 2006 سوى بعض الخضّات العابرة التي لم تؤثر في التزام الطرفين به. والتأكيد مرّة تلوَ المرّة، وكلما اقتضى البيان، على استمرار ذلك الالتزام المكين به.

و«ذروة» نجاح ذلك القرار، تكمن في أنّه سمح بإنتاج أطول فترة هدوء حدودي متبادل، منذ العام 1948.. وهذا ليس تفصيلاً عابراً، وخصوصاً بالنسبة إلى الجنوبيين واللبنانيين عموماً، الذين عايشوا أو سمعوا أو تابعوا، يوميات وتفاصيل الاعتداءات الإسرائيلية على مدار العقود السبعة الماضية.

على أنّ تراخي موجبات التوجّس والقلق، مردّه أمر آخر أكبر وأشمل من الالتزام المتبادل بقرار دولي! وذلك بالتحديد ينفي الأسس التي تعتمدها إسرائيل لإطلاق صفارات إنذاراتها: تدّعي أنّها مهمومة بـ«النفوذ» الإيراني، وبصواريخ «حزب الله»، لكنها في الواقع لم يسبق لها أن سجّلت مكاسب في كل تاريخها، توازي ما أنتجه ذلك «النفوذ» الإيراني! وتلك الصواريخ «المخيفة». وعلى مساحة (مستحيلة!) تمتد من صنعاء إلى دمشق مروراً بالعراق وصولاً إلى لبنان! وبأعماق وقياسات تصل إلى حدود جعلها، هي الدولة اللصوصية و«القضية» الوحيدة في الوجدان العربي والإسلامي العام، منسيّة تارةً وعلى الرفّ تارة أخرى! والأنكى والأنكر من ذلك، تجعلها أكثر أنسنة ورحمة بالعرب والمسلمين، من أدعياء محاربتها ورميها في البحر!

وتعرف هذه الإسرائيل بالتأكيد العنيد، أنّ ما فعلَهُ المشروع الإيراني بالعرب والمسلمين في غضون بضع سنوات، تعجز هي وكل من يدعمها، عن «إنجاز» جزء يسير منه ولو على مدى مئة عام وأكثر! وتعرف بالتأكيد والتفصيل الممل، أن تدمير دولة مثل سوريا. وتخريب عمق خطير واستراتيجي مثل العراق. واستدعاء التمايز الفتنوي المذهبي من كهوف التاريخ.. ويوميات التوحّش الصادمة في حق جموع بشرية في الدولتين وفي غيرهما. وترميد العمران المديني في أهم الحواضر العربية. وانتشار مخيمات اللجوء والبؤس على أنقاضها.. ذلك كله وما هو أكثر منه، جرى وتمّ باحتفالات وطقوس انتصارية إلهية، وعلى أيدي مَن يدّعون محاربتها ورفع «الظلم» الذي ألحقَتْه بالفلسطينيين وشعوب دول الطوق!

.. وإنما في ذلك، لم تضطر إلى خسارة جندي واحد! أو دفع دولار واحد! أو خوض معركة واحدة! أو الانخراط في «مؤامرة» كيدية لتفتيت المنطقة المحيطة بها وتحويلها إلى كانتونات طائفية ركيكة ومتقاتلة تدور في فلكها هي «الكانتون» الطائفي الأقوى والأكثر تماسكاً!

أي منطق هذا، الذي يدعو إلى تصديق أنّ إسرائيل مهمومة إلى حدّ خروجها إلى الحرب؟! وتخريب المشهد الماسّي القائم راهناً! بل أي خبث هو ذاك الذي يعتمده الفاتكُون بالأكثرية العربية والإسلامية للإدّعاء بأنّهم ما زالوا أعداء!! ويهدّدون بعضهم بعضا!! ويحضّرون العدّة للنزال والقتال في ما بينهم!!

أعداء افتراضيون، وحلفاء واقعيون! وضحيّتهم «المشتركة» واحدة، من اليمن إلى سوريا وما بينهما!!