«أنا على استعداد لتنفيذ عملية انتحارية، وطلبتُ تسجيل إسمي بين النساء اللواتي يرغبن في تنفيذ عمليات كهذه». كلمات قليلة قالتها زبيدة، إلّا أنّها حملت بدسامتها ما يكفي لكشف خيوطٍ كثيرة حول ما يجري داخل الجماعات الإرهابية، وقادت بالتالي إلى توقيف خليّةٍ إرهابية مؤلّفة من 6 أشخاص، تكشف «الجمهورية» قصّتهم الكاملة بعدما أحالتهم مديرية المخابرات في الجيش اللبناني إلى النيابة العامة العسكرية
 

بتاريخ 19/2/2018، حضَر إلى فرع مخابرات الشمال المدعو عبد الهادي توفيق الحسن من بلدة تلمعيان - عكار للإبلاغ عن اختفاء ابنته زبيدة (1995)، مرَجّحاً أن تكون قد غادرت إلى سوريا للالتحاق بزوجها عبد الرحمن زكريا الحسن الذي بايَع «جبهة فتح الشام» الإرهابية، «جبهة النصرة» سابقاً، وبرفقتها ولداها.

وعلى جريِ العادة في أخذِ كلِّ البلاغات والمعلومات التي تصل على محمل الجدّية ومتابعتها، باشَر فرع الشمال في المديرية تحقيقاته، فأوقفَ الوالد واستمع الى إفادته المفصّلة، حيث اعترَف بأنّ «زوج ابنته هو ابن أخيه، وأنه حاوَل مراراً إقناعَه خلال الاتصال معه بالعودة الى لبنان أو الانتقال للعيش في تركيا على أن توافيَه الى هناك زوجتُه وأولاده، إلّا أنّه كان يرفض بشكلٍ قاطع العودةَ إلى لبنان أو مغادرةَ سوريا»، مؤكّداً أنّ «ما أقدمت عليه ابنتُه كان من دون عِلمه».

في غضون ذلك، عمَّمت قيادة الجيش على حواجزها اسمَ المطلوبة، زبيدة عبد الهادي الحسن وصورتَها، أملاً في العثور عليها قبل مغادرتها الأراضي اللبنانية، خصوصاً أنّ بيانات الأمن العام وقيودَه لم تبيّن مغادرتها الأراضي اللبنانية عبر أحدِ المعابر الشرعية.

وبالفعل نجَح حاجز الجيش في بلدة شدرا العكارية بتوقيفها وبرفقتِها عمر شحادة من بلدة مشحا-عكار، وهو شقيق الجندي المنشقّ عبد الله شحادة، داخل فان لنقلِ الركّاب متّجهٍ نحو منطقة وادي خالد، حيث عَمد عمر الى رميِ جهاز الهاتف الخلوي الذي كان بحوزة زبيدة قرب الحاجز، قبل أن تتمكّن العناصر العسكرية من ضبطه، لتكرَّ بعدها سبحة الاعترافات.

فخلال التحقيق معها، اعترَفت زبيدة بأنّها كانت متوجّهة الى سوريا للالتحاق بزوجها، مفجّرةً مفاجأةً بأنّها كانت مقتنعة بأفكار تنظيم «داعش» الإرهابي، خلافاً لزوجها، وأنّها كانت على تواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي بفتاة داعشية ملقّبة بـ«أم عائشة» مقرُّها في إدلب، كاشفةً أنّها كانت تنوي رؤية زوجها ومن ثمّ الانتقال الى ريف ادلب للالتحاق بتنظيم «داعش»، حيث ابلغت «ام عائشة» بأنّها على استعداد لتنفيذ عملية انتحارية داخل سوريا، وطلبت إليها تسجيلها من ضمن اللواتي يَرغبن بتنفيذ عمليات كهذه.

كما اعترفَت خلال التحقيقات معها بأسماء عناصر الشبكة التي كانت تساعدها للخروج من لبنان، وأعضاؤها هم:

• يوسف علم الدين خضر، وهو أحد أصدقاء الإرهابي الفار عبد الرحمن زكريا، والذي كان يمدّها بالمال بين الفترة والأخرى، وهو ما أقرَّ به خضر مفصّلاً أن لا علاقة تربطه بزوجها، إنّما وبحكمِ عمله كموزّع للغاز كان يَعمد الى جمعِ المال من شبّان قريتِه الدوسة-العكارية، ويعطيها إيّاها على سبيل المساعدة الإنسانية والمدرسية، نافياً أيَّ علاقة له بتهريبها الى سوريا.

• حسين الضناوي من مواليد مشحا عكار، وقد تكفّلَ بنقلها من مدينة حلبا الى منزل ذوي العسكري المنشقّ عبد الله شحادة بطلبٍ من زوجها، على أن يرافقها شقيق شحادة الى نقطة معيّنة عند الحدود لتسليمها الى أحد المهرّبين الملقّب بـ«أبي البحري». أمرٌ لم ينكره الضناوي الذي أقرّ بأنّه سبقَ وتعرّفَ الى عبد الرحمن خلال قضائه فترةَ حكمٍ بجرمِ الانتماء لتنظيم إرهابي في سجن رومية، حيث تلقّى اتّصالين بعد خروجه من السجن من عبد الرحمن من داخل رومية طلبَ إليه فيهما مساعدةَ زوجته وتأمينَ المال لها.

وأضاف أنّ زبيدة اتصلت به قبل 15 يوماً من توقيفه طالبةً منه مبلغاً من المال لتسافر الى تركيا مع أولادها ووالدها، حيث سيلاقيها عبد الرحمن، إلّا أنّه اعتذر عن مساعدتها، قبل أن تعاود الاتصال به طالبةً إليه نقلها من حلبا إلى منزل شحادة لتغادر منه الى سوريا، فما كان منه إلّا أن لبّى طلبَها معطياً إيّاها مبلغاً زهيداً من المال.

• أمّا الموقوف عمر أحمد شحادة، فاعترَف بأنّ علاقةً جَمعت أخاه المنشقّ وعبد الرحمن، حيث كانا يقومان بزيارات إلى منطقة التبانة ويجتمعان بشادي المولوي، متّهماً عبد الرحمن بالوقوف وراء انشقاق شقيقه، وكاشفاً أنّه بتاريخ 19/2/2018 حضَرت زبيدة وبرفقتها ولداها إلى منزل ذويه طالبةً البقاءَ لديهم بحجّة أنّ أهلها يريدون تطليقَها وتزويجَها لشخص آخر، عندها نَقلها الى منزله حيث تواصلت من هناك مع زوجها الذي أبلغها أنه سيُرسل شخصاً لينتظرَها في وادي خالد طالباً من شحادة أن ينقلها، وهو ما حصَل، إذ نقلها الأخير بسيارته إلى مفرق الشيخ محمد، ومن بعدها رافقها بواسطة فان للركّاب إلى وادي خالد قبل أن يُلقى القبض عليهما في شدرا، كاشفاً عن تواصلِه مع أخيه الجندي المنشقّ.

• مِن جهتها، اعترفت زبيدة بأنّ الموقوف في سجن رومية بهجت محمد متلج من مواليد طرابلس، كان يتواصل معها من داخل السجن وأنه عرض عليها الزواج، وهو ما لم ينفِه الأخير، مقِرّاً بأنه كان يؤمّن لها مبالغ من المال لمساعدتها، وتبيّنَ أنه تمّ ضبطُ هاتف خلوي بحوزته داخل السجن كان مخبّأ في أحد الحمامات، استخدمه للاتصال بعائلته وبزبيدة.

• بدوره، صرّح الموقوف محمد حسن ابراهيم من تل حميدة-عكار، أمام المحقّقين بأنّ علاقةً عائلية واجتماعية ربَطته بالإرهابي عبد الرحمن الحسن وزوجته، حيث تعرّف إلى الحسن في سجن رومية، قبل أن يعود ويلتقيه خلال مراسم العزاء بوالده، مقِرّاً بأنه علمَ من والد زبيدة الذي زاره في محلّه أنها هرَبت للالتحاق بزوجها. واعترَف ابراهيم بأنه أمّنَ لها مبلغاً من المال خلال شهر رمضان 2017.

إذاً، إعترافاتُ زبيدة بتبنّيها فكر «داعش» طرَحت أسئلة عدة حول دور زوجها وما إذا كان عميلاً لـ«داعش» مزروعاً في صفوف «النصرة»، وما إذا كان ينوي الفرارَ مع زوجته أو أنّ الأخيرة كانت ستستهدف في عمليتها الانتحارية تجمّعاً لـ«النصرة».

غير أنّ الأهم هو ما توصّلت إليه مديرية المخابرات والذي سمح بكشفِ منفذٍ جديد غير شرعي يستخدمه المهرّبون عبر الحدود، كما كشفَ خيوطاً كثيرة حول ما يجري داخل الجماعات الإرهابية وفي ما بينها بحسب ما أكّده خبراء أمنيون.