يَعتقد متابعون للاستحقاق النيابي المقرّر في 6 أيار المقبل، أنّ مصيره ما يزال قيد البحث لدى بعض الدوائر والجهات الداخلية والخارجية، التي ستبتّ به سلباً أو إيجاباً تبعاً للخلاصات التي ستتوصّل إليها، فإذا جاءت النتائج لمصلحتها فإنّ لا شيء سيعوق إنجازَ هذه العملية الدستورية، وأمّا إذا جاءت لغيرِ مصلحتها فإنّها لن تتردّد في تعطيل الانتخابات مهما كلّفَ الأمر
 

لكنّ هؤلاء المتابعين الذين يؤكّدون صيرورة الاستحقاق النيابي إلى الإنجاز في موعده، يؤكّدون أنه سيكشف كيف أنّ قوى سياسية عاشت في مراحل سابقة، وستعيش مع هذا الاستحقاق وبعده، حالةً من الانفصام في الشخصية السياسية، إذ سيكون عليها قولُ الشيء والعملُ بعكسِه، بحيث إنّها ستتّخذ خيارات تحالفية معاكسة لخيارات تُعلنها الآن في الإعلام، وكذلك في حملاتها الانتخابية التي لا يزال نشاطها في حدوده الدنيا على رغم أنّه لم يعُد يفصلها عن موعد الانتخابات سوى شهرين.

فما يُعلنه البعض في الاعلام من رفضٍ للتحالف مع هذا الفريق السياسي أو ذاك معلّلاً بالأسباب والمبررات التي يراها مقنعةً لجمهوره، سيتصرّف بعكسها على أرض الواقع، بحيث يتحالف بنحوٍ غير مباشر مع مَن يعلن عدمَ رغبتِه التحالفَ معه، خصوصاً وأنّ القانون الانتخابي الجديد القائم على اساس النظام النسبي لا يُمكِّن ايَّ فريق سياسي من الفوز بالاكثرية النيابية ما لم يُقِم مروحة تحالفات انتخابية واسعة لا يمكن التكهّنُ من الآن باحتمال تحوّلِها تحالفات سياسية يُبنى عليها لدى الشروع في إقامة السلطة الجديدة بعد الانتخابات.

ولذلك فإنّ حالة الانفصام في الشخصية السياسية التي تعيشها، أو بدأ يعيشها، بعض الأفرقاء منذ الآن ستكون لها انعكاساتها على مستقبل موقعِهم في الحياة السياسية مستقبلاً، إذ سيبُدون أنّهم في وادٍ وقواعدَهم المؤيّدة لهم في وادٍ آخر، فهذه القواعد ستشعر في مكانٍ ما بـ»خديعة» ربّما يكون ممثّلوها اضطرّوا إليها لضمان الفوز بما يصبون إليه من مقاعد نيابية، وبالتالي ضمان حصّتِهم في السلطة التي سيتمّ تقاسُمها بعد الانتخابات.

ولكن على الرغم من كلّ التحضيرات الجارية والتي تُشجّع على الاقتناع بأنّ الانتخابات النيابية ستجري في موعدها، فإنّ معظم القوى السياسية باستثناء حركة «أمل» و»حزب الله» لم تَحسم أمرَها بعد ترشيحاً، وحتى اقتراعاً، فحركتُها الانتخابية ما تزال تتّسم ببرودةٍ لافتة تكشف عن انّها ما تزال محكومةً بانتظارات معيّنة، منها ما يتّصل ببعض الدول العربية الفاعلة التي لم تَحسم بعد خياراتها لجهة دعمِ حلفائها في خوضِ غمار الانتخابات من عدمِه، ومنها ما يتّصل بالمجتمع الدولي الذي يعلن كالعادة عبر أسطوانته التقليدية أنّه «يؤيّد بشدّة» إجراء الانتخابات وعدمَ تعطيل «العملية الديموقراطية»، في الوقت الذي لم يتّخذ هذا المجتمع أيَّ خطوة بعد يُترجم هذه المواقف عملياً، بل إنّ ما يَرشح من بعض دوائره يثير مخاوفَ من حصول حربٍ في المنطقة تكون لها انعكاساتٌ كثيرة، منها تعطيلُ إجراء الانتخابات اللبنانية.

غير أنّ بعضَ السياسيين يعتقدون أنّ الدعم الإقليمي الخليجي وغير الخليجي لبعض القوى إذا حصَل فإنّه لن يكون هذه المرّة كما كان سابقاً، وإنّما سيكون ضئيلاً وبسيطاً لا يُقاس بما مضى، خصوصاً أنّ أولويات «المانحين» التاريخيين في هذا المضمار قد تبدّلت كثيراً وبات لبنان في اسفلِها، وإنْ كان بعض السياسيين يؤكّد عكسَ ذلك، ويقول إنّ ما مِن لاعبٍ إقليمي إلّا ويحتاج الى ساحة لبنان لإظهار حجمِ قوّتِه وتأثيرِها على الساحة الإقليمية.

على أنّ حالة «الانفصام» في الشخصية لدى هذا الفريق أو ذاك، ربّما ستزيد من صعوبة نشوءِ تحالفات انتخابية كبرى، وحتى تحالفات سياسية كبرى ايضاً، لأنّ القوى السياسية ما تزال مختلفة على مشروع الدولة، وعلى موضوع استكمال تنفيذِ وثيقة الوفاق الوطني المعروفة بـ«اتّفاق الطائف»، فهناك أحزاب ترى أنّ في إمكانها التحالف في ما بينها موضعياً هنا، ولكنّها لا تستطيع التحالف هناك، والمثال على ذلك أنّ حزبَي «القوات اللبنانية» و«الكتائب» ربّما يتحالفان في دائرة بيروت الأولى لضمان فوزِ النائب نديم بشير الجميّل، الذي يتلاقيان على دعمِه، ولكنّهما في المقابل قد لا يتحالفان في دوائر أخرى.

وحتى إنّ حركة «أمل» و»حزب الله» قد يواجهان صعوبات في عقدِ تحالفات في دوائر عدة مع بعض القوى السياسية، إذ إنّهما إضافةً إلى التحالف المعلن بينهما ربّما يحتاجان إلى تحالفات مع قوى أخرى لضمان فوز مرشّحين لهما في بعض الدوائر، ومنها دائرة جبيل ـ كسروان لضمان فوزهما بالمقعد الشيعي الوحيد فيها.