تتنازع الناس في مراحل التغيير والتحول اتجاهات مختلفة بين المتحمسين للتغيير والداعمين له وبين المتحفظين عليه الذين تعودوا أنماطًا معينة من الحياة والتقاليد والأعراف، ويحسبون أن التغيير قد يؤدي إلى تغييب واضعاف الثوابت التي يعتقدون بها ويرونها من الأسس التي بني عليها المجتمع. هذا الاختلاف منشؤه طبيعي وينتج من التعارض في المصالح بين «من يملكون» في ظل المنظومة القيمية القائمة وبين من «لا يملكون» ويبحثون عن آفاق توسع وتمدد أكبر.

لا شك في ظل هذا الواقع من ضرورية فهم واستيعاب مثل هذه الاختلافات وكونها تقع في أي مجتمع يشهد حالة تحول مختلفة عما هو قائم ومعتاد. لكن من المؤكد أن هناك قيمًا جديدة تنشأ في المجتمع مع عملية التحول.

بعد الطفرة النفطية في بداية السبعينيات الميلادية وما تبعها من مشاريع تنموية واستراتيجيات وطنية كبرى أدت إلى المزيد من الانفتاح والتفاعل مع المحيط الخارجي، بدأ المجتمع السعودي يتعايش تدريجيًا مع القيم الجديدة التي فرضتها مشاريع التنمية حينها، وحصل بالفعل تغير كبير في المنظومة القيمية في المجتمع انعكس على السلوك الاجتماعي وانتشار مفاهيم وقيم جديدة تلبية لهذه التغيرات والتحولات.

وكما أفرزت تلك المرحلة قيمًا إيجابية جديدة، إلا انه تلبس بها أيضا مجموعة من القيم السلبية التي رافقتها وأصبحت جزءًا من السلوك العام المقبول في المجتمع كالحالة الاستهلاكية والإسراف وعدم الترشيد والتفاخر بالثروة والمال وغير ذلك من مفاهيم أصبحت سائدة ومقبولة في المجتمع.

سعدت كثيرًا بالاهتمام الذي توليه جهات رسمية وأكاديمية عديدة للنقاش حول القيم عبر عقد لقاءات وحوارات مختلفة تتناول موضوع القيم الاجتماعية والثقافية واتجاهاتها وخاصة بين الأوساط الشبابية. القيم تعتبر من أسس بناء المجتمعات، وعندما تكون متسقة ومنسجمة مع الخطط والبرامج الوطنية فذلك يجعل عملية الانتقال والتحول لمرحلة ووضع جديدين أمرًا ممكنًا ومتيسرًا.

في هذه المرحلة المهمة ينبغي أن تترافق مع عملية التحول الاقتصادي استراتيجيات وطنية واضحة تساند وتدعم تعزيز القيم الإيجابية المتوافقة مع برامج التحول وتحصر القيم السلبية التي قد تقف عائقًا ومانعًا من التفاعل الإيجابي مع مشاريع التحول. فمثلا كلنا يدرك أن الشاب السعودي لديه القدرة والامكانية للعمل في مختلف المجالات، إلا أن قيم المرحلة الماضية خلقت لديه حالة من الاعتماد على الغير والعزوف والترفع عن العمل في العديد من المجالات الفنية والمهنية وغيرها. وينطبق الأمر ذاته على حالة الاستهلاك والتبذير التي كان يتم التعاطي معها في مختلف الشئون المالية والمنافع العامة، وخلقت الكثير من المشاكل المالية لدى الأسر وغياب التخطيط المالي والميزانية الأسرية. كما أن الشعور بالقوقعة والاعتداد بالذات والأحادية الفكرية سادت في تلك المرحلة بحيث فقد المجتمع قدرته على تنمية العلاقات الإيجابية البينية وضعفت حالة التعايش الإيجابي بين بعض مكوناته وانحدرت قيم الحوار والقبول بالآخر.

في مرحلة التحول التي نعيشها ينبغي البناء على كل ما هو إيجابي من القيم السائدة ونبذ القيم السلبية في المجتمع، والعمل على استبدالها بقيم إنتاجية فاعلة تدفع الجميع للمشاركة الجادة والاعتماد على الذات والتخطيط السليم بواقعية وجدية.