خلال أقل من أسبوع وللمرة الثانية، انتقد الرئيس الإيراني السابق وعضو مجلس تشخيص مصلحة النظام محمود أحمدي نجاد، أمس، بعبارات شديدة اللهجة، مسؤولين كباراً يتمتعون بـ«صلاحيات مطلقة» و«يحتقرون» الشعب الإيراني، منتقداً ضمناً المرشد علي خامنئي على «عدم الاستجابة» حول الجهاز القضائي، كما دخل على خط الجدل السياسي بعد مزاعم حول «انتحار» عالم الاجتماع كاووس سيد إمامي في سجن أفين، منتقداً القيام باعتقالات «غير مبررة قبل إعلان (انتحار) الموقوفين»، مشدداً على أن «الشعب لا يصدق ذلك».

وتوجه أحمدي نجاد على رأس فريق مستشاريه إلى مقر المحكمة الإيرانية في طهران، صباح أمس، لمساندة مساعده التنفيذي حميد بقايي أثناء مثوله أمام القضاء للمرة الرابعة في غضون شهرين. وتناقلت وكالات أنباء إيرانية صور مختلفة من خطاب أحمدي نجاد بينما كان يحيط بأنصاره. ونشر موقع «دولت بهار» مقاطع فيديو من خطابه بموازاة نقل صور من أنصاره ومقربيه أمام المحكمة.

وبحسب موقع «دولت بهار» الناطق باسم تياره، منعت السلطات أحمدي نجاد من حضور جلسة المحاكمة قبل وقوفه أمام باب المحكمة لإطلاق خطاب موجز حول الأوضاع الإيرانية، منتقداً سوء الإدارة، ولا سيما في القضاء الإيراني.

وقال أحمدي نجاد: إن «أي جهاز لا يرد على الشكاوى ضد السلطة القضائية بما فيها المرشد الإيراني علي خامنئي»، وأثار تساؤلات حول الجهة التي يمكن أن تحظى بـ«قبول وثقة الإيرانيين ومن الممكن أن تقدم شكوى ضدها». وبحسب أحمدي نجاد، فإن غياب تلك المرجعيات تحول إلى سؤال أساسي في إيران.

ووعد أحمدي نجاد مخاطبيه بأن تنتهي الأوضاع الحالية بشكل جذري لصالح الشعب الإيراني، مشدداً على أن «الظلم لن يدوم في أي مكان من الدنيا». وقال: «نريد أن نشكو سلوك القضاء، إلى من نشكو؟ لا يوجد مكان يحظى بقبول وثقة الناس، حتى القائد يقول إن مسؤولية أداء الجهاز القضائي والأجهزة الأخرى ليست على عاتقه».

ويعد رئيس القضاء أبرز المسؤولين الذين يختارهم المرشد الإيراني وفق صلاحياته الدستورية. وانتقادات أحمدي نجاد لرئيس القضاء فسرت مراراً على أنها انتقادات لسياسات المرشد.

ولم يتحدث خامنئي حتى الآن صراحة حول الخلاف بين أحمدي نجاد ورئيس القضاء صادق لاريجاني، لكنه في نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي وجه لوماً إلى مسؤولين سابقين تحولوا إلى معارضين بعدما كانوا على رأس الأمور في إيران.

وقبل أسبوع، قال أحمدي نجاد في بيان نشره على موقعه الإلكتروني: إن الأخوين علي وصادق لاريجاني اللذين يرأسان القضاء والبرلمان يتطلعان إلى منصب المرشد والرئاسة. وصف رئاسة القضاء بـ«ركن الظلم» في البلاد.

وعاد أحمدي نجاد إلى خطابه الأخير عشية ذكرى الثورة بمدينة رشت، وقال: إن الإيرانيين قاموا بثورة «من أجل أن يتكلموا بحرية دفاعاً عن حقوقهم، وأن يكون النظام وأجهزة الدولة مدافعة عن حق الشعب». وتابع: إن ثورة الإيرانيين في 1979 «كانت من أجل العدالة وتأدية حق الناس وألا يحتقر الشعب بينما يملك أشخاص اختيارات مطلقة» مضيقاً: إن الثورة «لم تحدث لكي يكون البعض في حالة انفجار بسبب التخمة، بينما يحتاج البعض الآخر إلى أبسط مستلزمات العيش».

ولم يمانع أحمدي نجاد من الدخول إلى الجدل الدائر حول حالات الانتحار في السجون الإيرانية خلال الأشهر الأخيرة، التي عادت بقوة على مدى الأيام قليلة الماضية عقب إعلان السلطات «انتحار» الناشط البيئي وعالم الاجتماع كاووس سيد إمامي.

وقال أحمدي نجاد في إشارة إلى وفاة متظاهر في سجن أفين الشهر الماضي أثناء الاحتجاجات: إن «شاباً من الضيق، رجلاً يشعر بحرج في أسرته من الفقر الشديد، يزجون بهم في السجون من دون مبرر بمحض الاحتجاج ويسلمون جثته، وبعد ذلك يقولون إنه مدمن وانتحر». لافتاً إلى أن «الشعب لا يمكن أن يصدق» وأضاف إن «أهم أجهزة التي يجب أن تدافع عن حقوق الشعب ترد بأشد سلوك على أقل انتقادات».

يأتي ذلك، في حين تعد قضية مقتل أربعة متظاهرين في سجن كهريزك خلال أحداث الحركة الخضراء 2009 واحدة من أسوأ الأحداث التي وقعت خلال ولاية أحمدي نجاد الثانية. كما وصف أحمدي نجاد حينذاك الإيرانيين بـ«القمامة».

في هذا الصدد، كتب مساعد اسفنديار رحيم مشايي عبر حسابه في «تويتر» أمس: إن «عشية الذكرى الأربعين للثورة الإيرانية أن المعتقلات والسجون نظيفة وآمنة ومريحة إلى درجة لو ذهب أحد إلى هناك، يطير فرحاً. لا فرق بين أن تكون مدمناً على المخدرات التقليدية أو الصناعية أو أن تكون جاسوساً».

وبموازاة ذلك، نشر مشايي مقالاً عبر موقع «دولت بهار» أمس انتقد فيه مواقف القضاء في قضية عالم الاجتماع كاووس سيد إمامي ؟ وقال: إن «القضاء متهم بالقتل إلا إذا ثبت خلاف ذلك».

ورد مشايي على تصريحات المسؤولين في القضاء بعد انتقادات على خلفية «انتحار» إمامي، وقال: «في أي مكان من العالم يمكن أن يقول المتحدث باسم المتهمين شيئاً وتنتهي القضية؟».

وتواصل الجدل السياسي أمس حول وفاة عالم الاجتماع الإيراني، وقالت عضو كتلة البيئة في البرلمان الإيراني، النائبة فاطمة ذوالقدر: إن أعضاء الكتلة حضروا اجتماعاً حول وفاة عالم الاجتماع كاووس سيد إمامي شارك فيه مسؤولين من القضاء ووزارة الاستخبارات واستخبارات الحرس الثوري وأضافت إن تلك الجهات قدمت معلومات حلول «انتحار» سيد إمامي إلى البرلمان.

وبحسب ذوالقدر، فإن إمامي اعتقل بقرار من المدعي العام في طهران عباس جعفردولت آبادي، وقالت: إن «إمامي انتحر بعدما طلب تأجيل إحدى جلسات التحقيق في السجن».

وكان دولت آبادي أعلن عن اعتقال إمامي بتهمة التجسس وهو ما يعني مسؤولية مخابرات الحرس الثوري عن احتجازه في سجن أفين.

وانتقد دولت آبادي أمس التشكيك حول انتحار إمامي وكان قد أعلن أول من أمس أن إمامي «ارتبط بضابط الاستخبارات الأميركية في إيران والذي أقام في منزله بعد دخوله إلى البلاد»، متهماً إمامي بالقيام بـ«التجسس على برنامج الصواريخ الإيرانية».

وقالت الحكومة الكندية إنها «قلقة بشدة» بشأن الظروف المحيطة بوفاة إمامي الذي يحمل الجنسيتين الإيرانية والكندية، وإنها تضغط على إيران لتقدم تفاصيل بشأن ما حدث، وفقاً لـ«رويترز».

وقالت كريستيا فريلاند، وزيرة الخارجية الكندية، في بيان أول من أمس: «نحن قلقون بشدة إزاء الموقف المحيط باحتجاز ووفاة السيد سيد إمامي». وأضافت: «نتوقع أن تقدم حكومة إيران معلومات وإجابات بشأن الظروف المحيطة بهذه المأساة. سنواصل استخدام كل الوسائل المتاحة لكندا للحصول على مزيد من المعلومات».

وكان سيد إمامي يتولى منصب عضو مجلس الإدارة المنتدب بالصندوق الفارسي لتراث الحياة البرية الذي يسعى إلى حماية الحيوانات النادرة في إيران وهو باحث في علم الاجتماع تلقى تدريبه في الولايات المتحدة.

في سياق متصل، قالت مساعدة الرئيس الإيراني في شؤون الحقوق المدنية شهيندخت مولاوردي أمس، إن روحاني «وجه أوامر بإعداد تقرير شامل حول الأحداث الأخيرة في السجون الإيرانية».

وبحسب مولاوردي، فإن «جميع المواطنين يجب أن يحصلوا على حق إقامة محكمة عادلة»، محمّلة القضاء مسؤولية ذلك، وفقاً لوكالة «إيسنا».