يتجه لبنان الى انتخابات نيابية تجري للمرة الاولى منذ تسع سنوات بعدما مدد مجلس النواب ولايته بنفسه ثلاث مرات متتالية من دون ضرورة تبيح هذا المحظور إلا مراعاة البعض للبعض الآخر، حتى لا نقول تواطؤاً جماعياً، وفّر ملايين الدولارات، وضمن لكثيرين لوحة زرقاء ربما لن تتجدد، خصوصا ان النظام الجديد لمصلحة تسجيل السيارات أوجد شكلا جديدا لارقام السيارات أفقد تلك الزرقاء رونقها.

وشرط الانتخابات النزيهة ان تتأمن فيها المساواة التامة بين المرشحين، فلا يرجح عنصر المال كفّة مرشح على آخر، ولا يتفوق مرشح على آخر في الظهور الاعلامي بسبب علاقات خاصة او امتلاك حزبه وطائفته وسيلة اعلامية فرضها واقع المحاصصة الذي وزع تراخيص تلفزيونات واذاعات.

وتفترض قاعدة المساواة ايضا ألا يكون المرشح وزيرا في الحكومة التي تدير الانتخابات، لان الوزير قادر بحكم منصبه، على توزيع الخدمات لناخبيه، والافادة من وسائل الاعلام للترويج لنفسه في مناسبة تدشين مشروع، ووضع حجر الاساس لثانٍ، ورعاية مؤتمر او احتفال، وتوزيع الشهادات لمتخرجين، في حين يفتقد اي مرشح آخر هذه الفرص، ولو كان نائبا حاليا، ومرشحا ايضا، لان مجالات الوزير اوسع بكثير. وهذه الاطلالات الدعائية لا تدخل ايضا في جدول المصاريف الانتخابية للوزير، بل تُصرف من المال العام، ويوفر ماله الخاص لاستغلاله لاحقا.

لقد وضعت الهيئة الوطنية الخاصة بقانون الانتخاب والتي عُرفت بـ”لجنة فؤاد بطرس”، في مقدمة اقتراحاتها الاصلاحية، اجراء الانتخابات النيابية في ظل حكومة يكون رئيسها وجميع اعضائها من غير المرشحين. ولم تكتفِ الهيئة بوجوب إدراج هذه القاعدة في قانون الانتخاب، بل اشترطت ان يُنص على ذلك في الدستور لفرض التقيد الدائم بهذه القاعدة.

خلال الاسبوع الماضي، حاولت مجموعة من المثقفين والنقابيين اطلاق حملة للدعوة الى حكومة مماثلة، مع علمها الاكيد ان الطلب غير قابل للتطبيق حاليا لاسباب عدة، اولها ان التسوية الرئاسية قضت بان تستمر الحكومة الحالية الى موعد الانتخابات، وثانيها ان البلد غير مستعد حاليا لتغييرات وهزات مع استعداده لمؤتمرات دولية عدة، وثالثها الاكيد عدم رغبة ايّ من الاطراف في التخلي عن هذه الخدمة المجانية، خصوصا ان اكثر الاحزاب والجماعات مأزومة سياسيا او ماليا او جماهيريا، وقد اعتادت تقديم خدمات انتخابية على حساب الدولة.

اصطدمت المجموعة بهذا الواقع الذي تدركه جيدا، لكنها ربما كانت تراهن على اندفاع المجتمع المدني، واحزاب تصنف نفسها معارضة، الى ملاقاة الدعوة وتبنّيها، والدعوة اليها، لا من باب تحقيقها الصعب، بل المستحيل، انما من باب حفظ هذا الطلب، وابقائه في التداول، ولو مع وقف التنفيذ، والانطلاق منه ربما الى الطعن في نتائج وزراء فازوا بمقعد نيابي على حساب الخزينة العامة ضاربين بعرض الحائط المساواة التامة بين المرشحين.