ليس سهلاً على وزير الخارجية جبران باسيل أن يواجه كل ما يواجهه. للرجل صولات وجولات من الكباشات والمكاسرات، على أكثر من صعيد. داخل تياره، وفي قلب رئيس الجمهورية، وداخل الساحة السياسية المفتوحة، كما خارجها. كسب الرجل كثيراً من الكارهين، لكنه واثق معتدّ بنفسه، ويعتبر أن ثمرة النجاح سبب للبغض والحسد. فباسيل ليس سهل الإنكسار أو التنازل، يشتري الإشكال أو التصعيد، فيقوّيه. يستدرج الخلاف، لتلقي الشتائم والهجمات بصدره. بالنسبة إليه "الشجرة المثمرة ترمى بالحجر". ويبدو غير مكترث لمشاعر كارهيه". يقارن نتائج الأفعال، لا الأقوال والمشاعر.

يرفع باسيل شعارات لا يتنازل عنها، رغم توجيه إتهامات عديدة له، بأنه يستثمرها وفق مصالحه، أو يغيّر اتجاهاتها وفق ما تشتهيه رياحه. من الدفاع عن حقوق المسيحيين في النظام الطائفي، إلى إطلاق يده القوية داخل تياره، تراه قادراً على الإمساك بأكثر من ملف في لحظة واحدة، والمحاربة على أكثر من جبهة. وأول الجبهات بالنسبة إليه، الفوز بقلب قائده ميشال عون، الذي لباسيل فضل كبير في التكتيك السياسي، وتوقيت انتخابه رئيساً للجمهورية. يكاد الإنتصار الأكبر الذي سجّله باسيل في حياته، في عين التينة وعليها، حين ضرب يده على الطاولة، معلناً سقوط الحوار. فقد فتح في حينها مشكلاً مع بري، لم يكن يجرؤ أي شخص غيره على فتحه. وبعدها بأسبوعين انتخب عون رئيساً للجمهورية، وكأن باسيل عاكس الريح.

وسط الانهماك في الصراعات اللبنانية، لا يتوانى باسيل عن خوض صراعات متعددة داخل التيار أو القصر الجمهوري. ذكاء الرجل يكسبه ثقة مطلقة من الرئيس، وهو صاجب الصلاحيات الأوسع. ومن يكون في هذه المنزلة، غالباً ما يكون حوله مبغضون. تجلّى ذلك، منذ انتخابات رئاسة التيار، التي استطاع فيها إحداث تغيير جوهري في بنيته وتركيبته. أُبعد كثيرون من التيار لتعبيد طريق الرئاسة أمام باسيل، وكل الذين عملوا على التكتل في وجهه في الانتخابات تفرقوا. منهم من غادر، ومنهم من رضخ. لكن انتصار وزير الخارجية برئاسة التيار، لم ينهِ بعض صراعات الاجنحة داخله.

تصالح مع كثيرين، وعلى رأسهم نواب بارزون، فيما استمر الخلاف مع آخرين. ومجدداً، انعكس هذا الصراع بين الأجنحة، في اليومين الماضيين، من خلال خلافات وتصريحات عدد من المسؤولين. شكّل كلام الوزير الياس بو صعب وما استدعاه من ردود، علامة فارقة في هذه الخلافات. حرص بو صعب وهو مستشار لرئيس الجمهورية ومقرّب جداً من رئيس التيار، على تهدئة الأجواء مع الرئيس نبيه بري. قد يكون ذلك في سياق توزيع الأدوار والتكتيك السياسي، لأن كل طرف في لبنان يحتاج إلى محاور، قادر على وصل الخطوط المنقطعة. لكن الإشكال الأكبر حصل على خلفية كلام بو صعب عن الوجود السوري في لبنان. ورغم توضيح بو صعب بأنه يعتبر الوجود السوري احتلال، إلا أن ذلك لم يعتدّ به لدى قناة الأو تي في، التي شنّت هجوماً لاذعاً على بو صعب ووصفته بأقسى الأوصاف.

يعكس هذا الخلاف صراعاً بين أجنحة التيار. ويقول مطلعون إن الهجوم على بو صعب هدف إلى إحياء ذكرى 13 تشرين، وما تمثّله من رمزية ذات طابع قدسي لدى جمهور التيار. وهناك من يرى أن المقصود من الهجوم على بو صعب هو باسيل نفسه، نظراً لوجود خلافات بشأن بعض الرؤى السياسية بينه وبين ميراي ميشال عون، مستشارة رئيس الجمهورية والأقرب إلى عقله. بالإضافة إلى أن الخلاف مع جبران، هو بسبب طريقة إدارته الأمور في التيار، وبسبب التمسّك بالمقربين منه على حساب الآخرين. ويبدو أن هذا الخلاف آخذ في التوسع، ليس على صعيد مركزية القرار فحسب، بل يشمل التنافس بين الأجنحة على المواقع والترشحيات النيابية.

فحين طرح باسيل مسألة التعديل الوزاري، كان يريد تغيير بعض الوزراء ومنهم رائد خوري، المقرّب من ميراي عون التي زكّته إلى هذا المنصب. وهذا الأمر ينعكس على الترشيحات للانتخابات النيابية. ففي دائرة جزين مثلاً، كان النائب زياد أسود من أشد المعارضين لانتخاب باسيل رئيساً للتيار. وفكّر في فترة بالترشح بمواجهته، لكن، فيما بعد، تقاطعت مصلحتا الرجلين. وبعد معلومات تفيد بأن مستشارة الرئيس تريد ترشيح المستشار الإعلامي لعون جان عزيز بدلاً من أسود، لجأ باسيل وفق النظام الداخلي للتيار إلى الأرقام التي أظهرت أسود صاحب النسبة الأعلى، وفمسّك بترشيحه إلى جانب ترشيح النائب أمل أبو زيد، وذلك لاستبعاد عزيز.

الأمر نفسه ينسحب على منافسات في مناطق أخرى، لا سيما في المتن مثلاً، الدائرة التي ينوي بو صعب الترشّح فيها. ففي الاستحقاقين الانتخابيين السابقين، ترشّح على لائحة التيار هناك، مرشح ماروني محسوب على الحزب السوري القومي الاجتماعي، أما اليوم، فهناك خلاف كبير بين المرشحين الموارنة الحزبيين، ولا مجال لترشيح أحد القوميين. ومن هذا الاعتبار يتقدم بو صعب الذي يعتبر أنه صاحب الحظ بحكم قربه من القوميين وحيازته بطاقة حزبية من التيار الوطني الحر للترشح عن المقعد الارثوذكسي. ولهذا، يتهمه عونيون بأنه تقصّد تمرير موقفه من الوجود السوري، ليكسب دعم القوميين.

وفي المتن أيضاً، هناك تنافس بين إبراهيم ملاح ونبيل نقولا وادي معلوف وإبراهيم كنعان. وجميعهم من الحزبيين. والمنافسة في ما بينهم على من سيتمكّن من الترشح على اللائحة. وهذا سينسحب على المرشحين الموارنة في بعبدا والشوف- عاليه.

وقد ظهر الخلاف أو على الأقل انعدام التنسيق بين ميراي عون وباسيل، خلال إطلالتها في مقابلة تلفزيونية مع هشام حداد. والمعروف أن حداد طُرد من التيار بموجب قرار من باسيل. خلال اللقاء سأل حداد ضيفته إذا ما كان باسيل على علم بإطلالتها في برنامجه، فأجابت: "هلق بيعرف". وبدا واضحاً استهداف باسيل في سياق هذه الجملة. وأكثر من ذلك، كان حداد يتعرض لهجمات واسعة وعنيفة من جمهور التيار على خلفية انتقاده باسيل، لتأتي إطلالة ميراي عون بمثابة منحه صك براءة وتقويته أمام الرأي العام المؤيد للتيار. وهذا أيضاً يمثّل استهدافاً لباسيل.