على مسافة 99 يوماً من فتح صناديق الإقتراع في الإنتخابات لتشكيل مجلس الـ2018 - 2022، ما زال القانون الجديد مدارَ جدل في العديد من الماكينات الإنتخابية لفهم الآليات التي فرضها منذ لحظة فتح الصناديق الى مرحلة إعلان النتائج. وهو ما أدّى الى سيلٍ من الملاحظات التي تبرّر سقوط الأحلاف الكبرى وتُعزّز عقدة الثنائية الشيعية. كيف تمّ التوصّل الى هذه المعادلة؟
 

على هامش المناقشات التي تشهدها الماكينات الإنتخابية، يتوسّع البحث في تفاصيل كثيرة قال بها قانون الإنتخاب الجديد في مختلف المراحل التنفيذية، خصوصاً في المرحلة التي تتحدّث عن التحضيرات الجارية قبل فتح صناديق الإقتراع وفق المهل الدستورية المقرّرة والتي فُتحت الطريق إليها بمجرّد توجيه الدعوة الى الهيئات الناخبة وتحديد مراكز الإقتراع في الخارج وتلك الخاصة بانتخاب موظفي الأقلام.

ويشارك في النقاش خبراء إحصائيون وآخرون متخصّصون في وضع البرامج الإلكترونية التي تنظّم وتسهّل الإحصاء المبكر للإنتخابات وتنظيم عمليات نقل الناخبين الى مراكز الإقتراع بعد سقوط مشروع الـ«ميغاسنتر»، عدا عن تشكيل فرق خاصة بإحصاء «الصوت التفضيلي» بغية الوصول الى جداول مبكرة لتوزيعها بشكل لا يضيع الكثير منها رغم صعوبة المهمة لفقدان السيطرة الفعلية في الكثير من الدوائر الإنتخابية، حيث يمكن القول بوجود قوة ناخبة ثالثة غير ملتزمة قرارات حزبية مسبقة، وهي قوة يمكنها أن تتلاعب باحتساب «الحاصل الإنتخابي» الذي لا يمكن تحديده قبل الإنتهاء من العملية الإنتخابية وتعداد الأصوات التي دخلت صناديق الإقتراع.

ويعترف أحد الخبراء العاملين في ماكينة انتخابية حزبية كبرى، أنه لا يمكنه أن يجاهر أو يعتدّ مسبَقاً بتحديد توجّهات فئة كبيرة من الناخبين تسمّيهم ماكينته بـ«الأصوات الشاردة». ويعتبر أنها من أصوات فئة تشكّل «القوة الثالثة» والتي يمكن أن يتمدّد حجمها أو يصغر لمجرد أنّ اصحابها ينتظرون ربع الساعة الأخير ليقولوا كلمتهم في عملية الإقتراع.

وهي فئة تبني توجّهها على ردة فعل يمكن أن تقوم بها تجاه أيّ إجراء أو موقف يمكن أن يتّخذه أيّ من المرشحين في اللحظات الأخيرة في إطار الصراع المفتوح على استقطاب هذه الأصوات.

ويضيف هذا الخبير، أنّ هذا الأمر لا ينسحب على كل الدوائر والقوى الإنتخابية على مساحة لبنان. فهناك ماكينات أنجزت إحصاءاتِها استناداً الى ما تتمتّع به من قوة تنظيمية «حزبية حديدية» لا تحتسب في جداولها ما يُسمّى بـ«الأصوات الشاردة» وهي تعتمد على عوامل لا تتوافر لدى قوى أخرى. فإمكان استخدام «التكليف الشرعي» مثلاً أو «الفتوى الإنتخابية» التي اعتُمدت في دوائر محدّدة في انتخابات العام 2009 ما زال وارداً.

فهذه الآلية كانت وستبقى من أقوى الأسلحة التي يمتلكها بعض الأحزاب، لكنّ أبرزها وأكبرها هي ماكينة «حزب الله» التي تتقدّم القوى الأخرى أيّاً كانت قوّتها وحجم انتشارها.

وهي آلية لها وظيفة كبرى وحاسمة وخصوصاً أنها ستكون في خدمة «الثنائي الشيعي» ليس في الدوائر التي تتميّز بكثافتها الشيعية فحسب، بل في مختلف الدوائر التي يمكن أن تكون هذه المجموعة من الأصوات في تصرّف لوائح الحلفاء من مختلف الطوائف والمذاهب.

وهنا تجدر الإشارة الى أنّ هذه الآلية أعتُمدت في انتخابات العام 2009 وحسمت انتخابات عدة، كما حصل في دوائر جزين وبعبدا وكسروان وجبيل وغيرها. ومن المؤكّد انها ستُعتمد هذه المرة رغم الفوارق الكبيرة في آلية قانون الإنتخاب وسيكون لها اكثر من وظيفة محدّدة واساسية.

وأبرزها انها ستكون قادرة على التحكّم مسبَقاً بـ«الحاصل الإنتخابي» في مرحلة اولى تسبق عملية توزيع «الأصوات التفضيلية» في افضل الظروف الإحصائية، فلا يضيع منها ما يمكن إدراجه على لائحة «الأصوات الضائعة»، بهدف تقليص «الكسور» التي يمكن أن تلعب دوراً كبيراً في ترجيح كفة هذه اللائحة أو تلك على منافساتها عند القيام بعملية توزيع المقاعد نسبياً بين اللوائح.

وعلى هذه الأسس المشار اليها، يمكن فهم القلق الذي يسود بعض الأوساط السياسية والحزبية التي وجدت نفسَها في مواجهة «الثنائية الشيعية» أو تلك التي تتأثر بوجود اصوات شيعية في دوائر لا مرشحين لهم فيها.

إذ عليها ومنذ اليوم إحتساب مكامن القوة لدى منافسيهم من المرشّحين واللوائح معاً، كما على المرشّحين في الدوائر ذات الغالبية الشيعية التي تخوض فيها هذه الثنائية معاركها أن يبحثوا في ما يؤدّي الى توحيد الصفوف لدى القوى والشخصيات المناهضة كما في دوائر بعلبك - الهرمل والجنوب. كما أنّ الإعتراف المسبَق بصعوبتها يخدم معركتهم لأنهم يخوضون مواجهة صعبة ولن يكون من السهل تحقيق أيّ خروق ولو بشكل محدود، وفي حال العكس ما عليهم سوى أن يجنوا الخيبة عند إعلان النتائج.

وانطلاقاً ممّا تقدّم، يمكن فهم حقائق كثيرة، أبرزها ما تجلّى في سقوط مشاريع «الأحلاف الكبرى» بين القوى الرئيسة التي كانت وراء وضع هذا القانون، قبل أن تكتشف أنها جنت على نفسها. فهي مَن وضعت نفسها في مواجهة قاسية قد يكون التحسّس بها أمراً جديداً لم يكن متوقعاً سابقاً، لكنه بات جاثماً على صدورهم ومترسّخاً في العقول.

ورغم ما سبق من تحليل يبدو من الثوابت الأساسية أنّ هذا القانون قد عزّز «الثنائية الشيعية» التي ستؤكّد أنها الأقوى في شكلها ومضمونها، ويمكن البناء عليها لاحقاً عند التأسيس للأكثرية النيابية المقبلة بعد 6 أيار، رغم الاقتناع بأنّها ثنائية سبقت قانون الإنتخاب وكانت وستبقى بقوتها الحاضرة أيّاً كان القانون الإنتخابي المعتمَد. وعلى مَن يحسدها او يتوجّسها أن يقتنع بأنّها من ثوابت الحياة السياسية في لبنان وما على بقية الفرقاء إلّا التشبّه بها أو التعاون معها، ولكلا الخيارَين كلفة لا بدّ منها.