يواجه «تيار المستقبل» في الانتخابات النيابية المقبلة الكثير من التحديات السياسية والشعبية والمالية. فالتيار يخوض هذه الانتخابات للمرة الأولى دون دعم سعودي مالي واضح، والعلاقة مع المملكة تسودها أجواء من التوتر والقلق. أما على الصعيد الشعبي، فقد انحسر الدعم الذي تلقاه التيار خلال السنوات الماضية منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005. ومن الناحية السياسية يواجه التيار ظروفاً ضاغطة، في ظل وجود العديد من القوى المعارضة له، التي تستطيع الحصول على مقاعد نيابية في بعض الدوائر بفضل اعتماد النسبية والصوت التفضيلي.
كل هذه التحدّيات ستؤدي الى تراجع حجم الكتلة النيابية للتيار في المجلس النيابي المقبل، وستضع التيار أمام امتحان حادّ لإثبات استمرار شعبيته وحضوره السياسي، سواء على الصعيد النيابي عامة، أو على صعيد الساحة الإسلامية السنّية. فما هي أبرز التحديات والعقبات التي يواجهها التيار في الانتخابات المقبلة؟ وماذا عن خريطة المعارك والتحالفات في مختلف الدوائر الانتخابية؟
التحديات والعقبات
بداية، ما هي أبرز التحديات والعقبات التي يواجهها تيار المستقبل في الانتخابات النيابية في أيار المقبل؟
حسب مصادر مطلعة على أجواء التيار، هناك عدة عقبات وتحديات يواجهها في الانتخابات المقبلة، وهي على النحو الآتي:
أولاً: التحدي المالي، وهو الأبرز، لأنه للمرة الأولى منذ ان بدأ التيار يخوض الانتخابات وليست لديه قدرة مالية كبيرة يخصصها للمعركة، خاصة بعد توتر العلاقة بين رئيس التيار سعد الحريري والمملكة العربية السعودية، وفي ظل الأزمة المالية التي تعاني منها مؤسسات الحريري، ما سيفرض على التيار التحالف مع شخصيات لديها امكانات مالية، وإن كانت لا تنتمي إلى التيار تنظيمياً، وقد يؤثر ذلك أيضاً في حجم التأييد الشعبي للتيار.
ثانياً: التحدي السياسي والشعبي، فبعد ثلاثة عشر عاماً على اغتيال الرئيس رفيق الحريري، تراجع الدعم السياسي والشعبي للتيار في ظل عدم وجود شعارات انتخابية مؤثرة، وبسبب السياسات والتسويات التي اعتمدها رئيس الحكومة سعد الحريري مع مختلف الأطراف التي كان يتنافس معها (التيار الوطني الحر، حزب الله)، ونظراً للمتغيرات في المنطقة.
ومع أن الأزمة التي واجهها الرئيس سعد الحريري بعد استقالته الأخيرة قد لعبت دوراً فاعلاً في استعادة بعض الدعم الشعبي، لكن ذلك لا يلغي تراجع هذا الدعم.
ثالثاً: قانون الانتخاب واعتماد النسبية والصوت التفضيلي: يشكل القانون الجديد أحد أبرز التحديات للتيار، لأنه لم يعد يستطيع ايصال لوائح مكتملة من خلال الحصول على نصف الأصوات في كل دائرة، لأن النسبية ستسمح لمنافسيه بالحصول على عدد من المقاعد، كذلك سيؤدي الصوت التفضيلي الى تنافس داخل كل لائحة، ما سيؤدي إلى خسارة التيار عدداً كبيراً من المقاعد لمصلحة منافسيه في مختلف الدوائر، وسيضطره إلى التحالف مع شخصيات لها وزن شعبي فاعل كي تساعده في تجميع أكبر عدد من الأصوات.
رابعاً: الظروف الداخلية والخارجية وتراجع التحالفات: فالأوضاع في لبنان والمنطقة أدت الى فرط معظم التحالفات السابقة، ومنها تحالف «قوى 14 آذار»، وتراجعت العلاقة بين التيار والقوى الإسلامية، ما سيضع التيار في ظروف صعبة ويدخله في معارك قاسية مع العديد من القوى السياسية والشعبية.
وفي مواجهة هذه التحديات والعقبات، يعتمد التيار على موقع زعيمه (سعد الحريري) في موقع رئاسة الحكومة وعلى رفع شعار «الاستقرار والاعتدال»، وعلى السعي إلى ترشيح وجوه جديدة قادرة على دعم قاعدته الشعبية.
خريطة المعارك الانتخابية
لكن كيف ستكون خريطة المعارك الانتخابية التي سيخوضها التيار في مختلف الدوائر؟
يواجه «تيار المستقبل» معارك قاسية في عدد من الدوائر الانتخابية، ففي بيروت الثانية سيكون التيار أمام معركة صعبة في مواجهة معارضيه ومختلف القوى السياسية والشعبية، وقد يخسر المقعدين الشيعيين لمصلحة حركة أمل وحزب الله، ومقعداً أو اثنين من المقاعد السنّية، مع احتمال خسارة أحد مقاعد الدروز والأقليات والأرثوذوكس.
وفي صيدا - جزين، وفي حال تحالف التيار مع التيار الوطني الحر قد ينجح في الحفاظ على مقعد سنّي مع فوز من يدعمه من اللائحة على الصعيد المسيحي، لكن بالمقابل فإن كل المؤشرات تشير إلى فوز الدكتور أسامة سعد في المقعد السنّي الآخر وكذلك فوز أحد مرشحي الرئيس نبيه بري في جزين، وهو إبراهيم عازار.
وأم المعارك القاسية التي سيواجهها التيار وستكون في دائرة طرابلس، وستؤدي إلى خسارة التيار عدداً من المقاعد لمصحلة معارضيه، وقد لا يستطيع الفوز إلا بمقعدين أو ثلاثة.
وفي عكار سيواجه التيار العديد من القوى المعارضة، اضافة إلى ان النواب الذين كان يدعمهم سابقاً قد لا يكونون على لوائحه مثل النائب خالد الضاهر والنائب معين المرعبي.
وفي دائرة زحلة لن يعود التيار لاعباً حاسماً في المعركة، مع أن لديه قوة انتخابية فاعلة في هذه الدائرة، ما يساعده في ايصال نائب أو نائبين.
وأما دائرة البقاع الغربي - راشيا فالمعركة ستكون قاسية بين مختلف الأطراف، ما قد يتيح عودة النائب والوزير السابق عبد الرحيم مراد الى البرلمان، وكذلك وصول مرشح حركة أمل عن المقعد الشيعي، واحتمال عودة نائب رئيس البرلمان السابق إيلي الفرزلي للبرلمان.
وسيكون للتيار دور فاعل ومؤثر في بعض الدوائر الأخرى مثل الشوف - عاليه ودائرة بعلبك - الهرمل، دائرة مرجعيون - حاصبيا - النبطية - بنت جبيل. وأما في الدوائر ذات الغالبية المسيحية (بيروت الأولى، البترون، كسروان - جبيل، المتن)، فإن دور التيار سيتراجع كثيراً، وذلك لحساب القوى الأخرى، ولا سيما القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر والقوات اللبنانية والشخصيات المستقلة.
إذن وبالاجمال ولأول مرة منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري، يدخل «تيار المستقبل» إلى المعركة الانتخابية في ظل ظروف سياسية وشعبية ومالية وانتخابية صعبة، وستشكل نتائج الانتخابات استفتاءً مهماً لتحديد مدى قدرة التيار على الحفاظ على شعبيته وكونه لا يزال القوة الأولى على الساحة السنّية.
وبانتظار إعلان التيار مرشحيه، فقد بدأت ماكيناته الانتخابية بالعمل في كل الاتجاهات ولو أن الخيارات والتحالفات لن تكون سهلة، وهناك ضغوط داخلية وخارجية على التيار ستؤثر بطبيعة هذه التحالفات الانتخابية.}