كان الدين في مراحل أخرى للعقول السكرة مصدر يقظة على يد إبراهيم وموسى وعيسى المسيح ومحمد صلوات الله عليهم أجمعين
 

تاجر مقيم في ألمانيا منذ أكثر من 25 سنة وهو مسلم شيعي إمامي إثنا عشري لبناني استضافني هذا الرجل الكريم والطيب بروحه والمهذب بأخلاقه الحسنة وقلبه العامر بالمودة للناس وبعد جولات معه بالحوار في المسائل العقائدية والفقهيه الشرعية والتاريخية الدينية الإسلامية الشيعية والسنية، والمسائل السياسية، اختلفنا في فهم بعضها واتفقنا في أخرى، ونجحنا بالإتفاق على مسألة من أعظم وأخطر المسائل الدينية والمذهبية والفكرية والفلسفية وهي:
أنه حينما نختلف في فكرة مهما كانت عظيمة وخطيرة لا يجوز عقلا ولا شرعًا ولا أخلاقيًا أن نسمح لها بتفجير العلاقة بيننا لتورثنا الحقد والبغضاء والعداوة بدلا من المحبة والمودة القائمة بيننا، باستثناء الفكرة التي تجعل الواحد منا مجرمًا أو مؤيدًا لمجرمين، باستثناء الفكرة التي تجعل الواحد منا ظالمًا طاغية أو مؤيدًا لظالم وطاغية حينها لا يمكن للعلاقة أن تستمر بوصفها صداقة وأُخُوَّة، نعم تستمر العلاقة بوصفها علاقة بعنوان آخر وبخلفية أخرى، تستمر بعنوان وخلفية تجارية أو سياسية أو شيء آخر لكن ليس بخلفية الصداقة ولا بعنوان الإخُوَّة الإنسانية.
وفي سهرة من السهرات في صالونه الكريم العامر بالضيوف الراغبين بالحوار الفكري والديني والسياسي والباحثين بطمع وشوق عن الحقائق في كل حقول الدنيا سألني أحدهم السؤال التالي:
ما رأيكم يا شيخ بزواج مسلمة شيعية من مسلم سني؟
قلت: "لا مانع من ذلك مطلقًا لا شرعًا ولا عقلًا".

إقرأ أيضًا: العدالة وظيفة الخالق أم المخلوق؟
فواجهني صاحب البيت الكريم  وصدمني بقوله صدمة كانت بمنزلة صاعقة على رأسي: 
"لن أزوج ابنتي من مسلم سني تحبه وهو يعيش هنا في ألمانيا ولو فعلت ذلك من غير موافقتي سأقتلها وأفر إلى لبنان وأترك ألمانيا إلى الأبد!"
أنا أعلم مسبقا بأن عموم المؤمنين المسلمين الشيعة عادتهم لا يزوجون بناتهم من رجال مسلمين سنة لكن الذي صدمني وصعقني بموقف صاحب البيت الكريم قوله  بأنه سوف يقتل ابنته فيما لو خالفت أمره وتزوجت من المسلم السني!
لم أدخر جهداً لأكشف له عن مدى خطورة موقفه وخطأ رأيه ومعتقده، واستعنت بالآيات والروايات وبكل ما آتاني الله من طاقة في علم البلاغة وقدرة في علم الفصاحة وباللهجة الشعبية اللبنانية الجنوبية لكنني لم أنجح بإقناعه وباءت كل محاولاتي بالفشل الذريع والسبب أن دماغه مزروع  بأفكار مذهبية زرعها فيه فقهاء، ومتفقهون، وشيوخ، وسادة، وحزب ديني مذهبي طائفي على مدار أكثر من 25 عاما وهم يزرعون في دماغه أفكارهم، حتى جعلوه يعتقد اعتقاداً متيقناً معه  بأن فقه الفقهاء هو فقه الله والرسول والأئمة الأطهار.
وأن حقائق دين الله الحق لا وجود لها إلا في كتبهم وأبحاثهم وخطاباتهم ومحاضراتهم وفتاواهم.

إقرأ أيضًا: ذاك عليٌّ الهاشمي وهذا علي الخامنئي!
وبأن الله تعالى يوم الحساب سوف يقوم بمحاسبة العباد على ميزان فتاوى الخوئي والخميني والخامنئي والسيستاني والطوسي وهؤلاء ليسوا معصومين لكنهم إذا أصابوا بفتاواهم لهم أجران وإن أخطؤا فلهم أجر واحد!
هم ورثة الأنبياء!
 وهم لهم فضل على عباد الله كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر!
وهم أفضل من أنبياء بني إسرائيل!
وهم من  تستغفر لهم الحيتان في البحار!
وهم من تفرش لهم الملائكة أجنحتها تحت أقدامهم!
وأقنعوه بأن ذلك ما رواه رسول الله (ص) 
وبعد هذا كله هل  ما زلتم تشكون بصحة قول من قال: "إن الدين أفيون الشعوب".
وأنا أقول: "نعم إن الدين كان أفيونا للشعوب في مراحل (واليوم هو كذلك) وكان الدين في مراحل أخرى للعقول السكرة مصدر يقظة على يد إبراهيم وموسى وعيسى المسيح ومحمد صلوات الله عليهم أجمعين ورزقنا الحياة معهم في جنات النعيم آمين".