أمس , مرّت ليلة من ليالي لبنان الحالكات , على وقع طبول الفتنة المذهبية , وراعني ما شاهدت وما سمعت , واعتراني خوف وهلع سيطرا عليّ لمدة قصيرة , ومن ثم انتقلت مع الذاكرة الى زمن الطفولة , فتذكرت جدتي رحمها الله , عندما كانت تحرّض جدي المرحوم , جدي الذي كان عصبي المزاج يفور من أي نكزة كما يقال , كانت جدتي تحرضه على اولاد الحي الذين كانوا , " يعربشون على التينة " كي يغنمَ الواحد منهم " كوزا" من التين يبلبل به ريقه في زمن لا يوجد فيه كما اليوم كل انواع الفاكهة , بل وان وجدت لا يستطيع الاهل شراءها لأنها غالية الثمن , فكان التين وما شابهه من اشجار الحي يعوّض حرمان هؤلاء , فكان جدي ينفعل بفعل تحريض جدتي , فيبدأ بالصراخ و" العياط " على الاولاد , وقد تصدف انه يلقي القبض على أحد منهم ويبدأ بتعنيفه وشتمه يعني " بفش خلقو " , فتتدخل جدتي مستنكرة ما قام به جدي , وتعتبره عملا لا يليق بها وبه.

مما لا شك فيه ولا ريب يعتريه ان الخطاب المذهبي الذي ساد في لبنان منذ فترة  ليست ببعيدة , بفعل الانقسام السياسي الحاد والذي جعل كل الاطراف تتمسك بعصبية مذهبية لتقوية مشروعها السياسي , او لتقوية موقفها السياسي المُتبنى والمرتبط بأحداث اقليمة خطيرة وحادة ,بدأ يرخي بظلاله على الساحة اللبنانية , انقساما مذهبيا خطيرا ,  وبدأ يعبث بثقافة الناس , وسيطر على عقول الكثيرين مستلبا ارادتهم ومستبدلا بها عاطفة جياشة لا تعير للعقل أي إهتمام او لا تعطيه اي دور او مساحة كي يفرمل تلك العاطفة المحضة التي ستجر البلاد الى أتون الفتنة البغيضة , بل جرته فعلا الى هاوية الفتنة السحيقة , والتي اذا وقت فعلا كما هو حاصل ويحصل كل يوم , سوف لن تبقي أحدا في منأ عن شرارتها الحارقة للجميع .

أيها السياسيون اللبنانيون , أيها الروحيون اللبنانيون , انتم كجدتي مع فارق مهم جدا الا وهو ان جدتي كانت تتميز بطيبة القلب وصفاء السريرة , وهذا غير موجود عندكم البتة , لان ما حصل بالامس من تعد على مواطنين من قبل مواطنين آخرين كان بفعل تحريضكم المذهبي , وأما هؤلاء الناس الذين ارتكبوا الفعل الشنيع , طيبون بسطاء كجدي تماما , الا ان خطأهم الوحيد أنهم صدقوكم , وأعتبروكم أوفياء وطنيون أحرار , هذا هو خطؤهم الذي ينبغي عليهم ان يتنبهوا له , لأن جدي إنتبه مؤخرا انه دائما يكون هو في خانة الملومين , وجدتي تقطف النصر بعلاقة جيدة ومدح كريم من أهالي الاولاد . يا أولاد الطائفتين , ينبغي عليكم الانتباه بان زعماء الطوائف في نية وانتم في نية مختلفة عن نيتهم , انتم الطيبون الصادقون تنفذون مضمون خطابهم المذهبي , ولا تدرون بأنهم أخطر من العدو على الدين والمذهب , اذ انهم يستعملون خطابا مذهبيا من أجل حماية مصالحهم الشخصية ومصالح أربابهم الدنيويين