في المجتمع الفلسطيني المحافظ في قطاع غزة تبحث النساء اللاتي في مقتبل العمر عن متنفس لهن يلغين من خلاله القيود التي تكبلهن، فاقتحمن الدبكة والموسيقى ومختلف الفنون القتالية التي تعيد لهن ثقتهن بأنفسهن وتحميهن من التحرش، ومؤخرا تجرأت العشرات من الطالبات الجامعيات على الانخراط في رياضة الملاكمة التي تعتبر في غزة رياضة ذكورية رغم وصفها بالفن النبيل
 

تتفقد الشابة الفلسطينية إكرام طوباسي (22 عاما) وثاق واقي الرأس الإسفنجي الذي ترتديه، كما تلقي نظرة أخيرة على قفازاتها حمراء اللون، قبل بدء مباراة الملاكمة النسوية الودية.

داخل حلبة تدريب صغيرة، تقع في مقر اللجنة الأولمبية الفلسطينية بمدينة غزة، تقف الحكمة بين المتبارزتين الشابتين، وتضرب يدها بالهواء وهي تقول بصوت مرتفع “بوكس”، في إشارة منها إلى بدء المباراة الودية.

وتبدأ المتبارزتان، الملتحقتان بالدورة التدريبية الأولى لرياضة الملاكمة، بلكم بعضهما البعض بالضربات التي تعلمتاها خلال الدورة، وتتنوع الضربات؛ الضربات الصاعدة أو الجانبية أو المستقيمة.

وتطلق الشابات المتدربات والمتابعات للمباراة الودية صرخاتهن تشجيعا لزميلتيهن المتبارزتين على شجاعتهما في المواجهة.

ولأول مرة على مستوى قطاع غزة، تُخصص دورة تدريبية لتعليم الفتيات أصول رياضة الملاكمة، رغم أن العديد من الفتيات في غزة اقتحمن عالم الرياضات الحربية كالكاراتيه والتيكواندو.

والتحقت بدورة الملاكمة حوالي 40 طالبة جامعية تتراوح أعمارهن ما بين 19 و22 عاما، وغالبيتهن من تخصص التربية الرياضية، بحسب اتحاد الملاكمة.

وتتعلم الفتيات في هذه الدورة قواعد رياضة الملاكمة، ليكن في ما بعد حكمات ومدربات ولاعبات، وتمر المتدربات بمراحل تعلم قوانين وقواعد اللعبة، مرورا بالتدريب وانتهاء باللعب على حلبات المنافسة. وترى الفتيات المتدربات أن الدورة غطت كل

جوانب ومهارات رياضة الملاكمة النظرية والعملية، وأنهن استوفين تدريباتهن النظرية والتطبيقية واكتسبن مهارات جديدة في فن الملاكمة.

وتقول المتدربة طوباسي، وهي طالبة في تخصص الصحافة والإعلام في الجامعة الإسلامية بغزة، “يعتبر هذا النوع من الرياضة، بالنسبة إلينا شريحة الشابات بغزة، تغييرا نوعيا”.

وتمارس طوباسي رياضة الملاكمة من باب “الهواية واستغلالا للوقت بأمور أكثر فائدة”. وتوضح أن التحاقها بذلك النوع من الرياضة قد يساعدها في مجال تخصصها الصحافي في المستقبل، كونها تطمح لأن تكون إعلامية رياضية. كما أن هذا النوع من الرياضة يعزز من ثقتها بنفسها ويساعدها على اكتساب الخبرات اللازمة لـ”الدفاع عن النفس”، كما قالت.

وأعربت طوباسي عن رغبتها في الاستمرار بالالتحاق بالأنواع المختلفة من الرياضات، خاصة التي تعتمد على بذل الجهد الكبير.

ورغم الدعم الذي لاقته طوباسي من عائلتها وبعض الأصدقاء المحيطين بها، إلا أنها واجهت بعض الانتقادات سواء من المحيطين أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كون رياضة الملاكمة “ذكورية أكثر منها للإناث”، على حدّ قولها.

وتتابع مستكملة “الانتقادات تركزت على محور كيف للفتاة أن تمارس رياضة الملاكمة، عدا عن أن المدربين من فئة الشباب الذكور”.

وكون المجتمع الغزي مجتمعا محافظا، فإن فكرة تدرب الفتيات على يد مدربين شباب خاصة في بعض أنواع الرياضات كالملاكمة، لا تلقى قبولا شعبيا.

وتعرب الشابة طوباسي عن أمنياتها في تغيّر النظرة المجتمعية حول ثقافة مشاركة المرأة في المجالات الحياتية المختلفة، لا سيما المجال الرياضي الذي أبدت فيه قدرتها الدائمة على العمل بصورة ناجحة ومتفوقة لتنافس فيه السيدات على الصعيد الآسيوي والدولي. وتقول “نحن لسنا فقط شعبا نعيش الحروب والدمار ونصدّر هذه الصورة عنا إلى العالم الخارجي، نحن شعب مقاوم، يحب الحياة واللعب، ويحاول إظهار صورته الإيجابية ووجهه الآخر للعالم”.

وفي قطاع غزة، تُبدي بعض الشابات اهتماما ملحوظا بأنواع مختلفة من الفنون كالدبكة، والموسيقى، أو الرياضات كالملاكمة والكاراتيه، متحديات بذلك الأعراف التي انبثقت عن مجتمع محافظ يرفض ثقافة مشاركة المرأة في تلك المجالات، خاصة ما يستدعي الاستعراض أمام الجمهور أو الاختلاط بالرجال.

وتقول إيمان أبوكويك، عضو اتحاد الملاكمة ومشرفة التربية الرياضية في مديرية شرق غزة (تابعة لوزارة التربية والتعليم)، “دورة الملاكمة النسوية هذه، تأسيسية والأولى من نوعها على مستوى قطاع غزة”.

وتتابع “لأول مرة تتمكن الفتيات في قطاع غزة من المشاركة في هذا النوع من الرياضات، التي كانت حكرا على الرجال فقط”.

وتعتبر أبوكويك رياضة الملاكمة من أفضل الرياضات الموجودة في القطاع بالنسبة إليها.

وتقول إن المسؤولين عن تلك الدورة لاحظوا رغبة “الشابات في تعلم أصول الملاكمة، وتطوير أدائهن”، إذ انعكس ذلك على “التزامهن بمواعيد التدريب”.

وفي ذات الوقت، تشير أبوكويك إلى أن اتحاد الملاكمة واجه عدة انتقادات بخصوص مشاركة الفتيات في هذه الرياضة، لكن نجاح الفتيات فيها كان تحديا لتلك الانتقادات وكسرا للتقاليد المجتمعية، كما قالت.

وتعتبر أبوكويك أن نجاح اتحاد الملاكمة في إنجاز هذه الدورة، وتخريج الشابات منها، هو تحد للظروف التي تحدّ من مشاركة الفتاة في الرياضات التي تتطلب جهدا وقوة بدنية. وأبدت اللاعبة هبة عبيد ثناءها على اللعبة بقولها “لم أتوقع أن أحبها هكذا، في البداية مللت من جزئها النظري، ولكن بعد الممارسة شغفت بها وأحببتها كثيرا”.

ووجدت عبيد في اللعبة بعد التدريب والممارسة جانبا مسليا وممتعا للغاية، إضافة إلى حاجتها لسرعة بديهة وحضور الفكر بتركيز عال وذكاء في الصدّ والردّ، وهي تنوي الاستمرار في ممارستها حتى تتمكن من إجادتها، كما تسعى بفخر لتمثيل فلسطين من خلال الملاكمة في ملاعب العالم.وتذكر أن “رياضة الملاكمة ساعدت الفتيات في تعزيز ثقتهن بأنفسهنّ، إلى جانب إكسابهن خبرات في ما يتعلق بالدفاع عن النفس”.

واقتصرت ممارسة الملاكمة في قطاع غزة خلال الأعوام السابقة، على الرجال فقط، بينما يتوقع القائمون على الاتحاد أن تكسر تلك البداية ما وصفوه بـ”احتكار الرجال” لهذه الرياضة.