لا بد أنك في يوم ما قرأت أو سمعت عن تلك القصص الأسطورية، "أرمسترونغ لما كان في القمر سمع صوت الأذان ثم سمعه مرة أخرى لما كان في السودان فأسلم"، والرجل لم يسمع شيئاً ولم يدخل في الإسلام ولم يزُر السودان أصلاً، "شاب وهو يشرب العصير شاهد قناة إخبارية أميركية ورأى تقريراً لوكالة ناسا تتكلم فيه عن اكتشاف انشقاق القمر فقفز وأسلم"، والحقيقية أنه لا يوجد تقرير ناسا ولا القناة الإخبارية ولا العصير حتى، "مكة مركز العالم ولا تمر أي طائرة فوقها نظراً لوجود مجال مغناطيسي فوقها" لكن الأمر أقل تعقيداً من هذا، كل ما في الأمر أن هناك اتفاقاً بين الدول بعدم مرور الطائرات فوق المراكز السياحية المهمة في العالم خوفاً على سلامتها من حدوث ضرَرٍ ما.

رغم أن هذه القصص بُني عليها إيمان أجيال كاملة فإن عند ظهور حقيقتها ألحد على يدها الكثير ربما أكثر مما ألحد متأثراً بريتشارد داوكنز، ومع أن عصر المعجزات انتهى مع نزول القرآن، إلا أن مروجي هذه القصص ومتبني فكر الإعجاز العلمي يبحثون دائماً عن معجزة أو بالأصح خرافة، قائلين: لماذا يفتخر الغرب باكتشاف هذه المعلومة نحن عندنا في القرآن منذ 1400 سنة؟ حسناً يا صديقي، لكن لماذا انتظرت 1400 سنة إلى أن يكتشفها الغرب فتقرأها في القرآن، أم أنك كنت حينها مشغولاً بتحريم خروج المرأة من بيتها أو في مناظرة عن حكم الموسيقى في الإسلام.

المضحك المبكي أن أناساً حاصلين على شهادات عالية ووجوهاً إعلامية شهيرة تؤثر في ملايين الناس يروجون لهذا الفكر المفبرك، رغم أن النية حسنة فإن النتائج تكون وخيمة، فهم بهذه الأفعال يحرجون القرآن؛ لأنهم تناسوا أنه كتاب دين أنزِل لغرض محدد، أما الحقائق العلمية فقد تتغير مع مرور الزمن باكتشافات جديدة ونظريات جديدة، فماذا سنفعل حينها هل علينا تفسير القرآن كالنسخة الجديدة من المجلة العلمية NATURE، أو علينا إنكار النظريات الجديدة لأننا لم نجد أي اَية نحرفها لتفسرها لنا كما هو حالنا اليوم مع نظرية التطور.
شخصياً كنت متأثراً فيما مضى بإحدى هذه القصص، وهي تتعلق بآية "إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا"، القصة تقول إن العلماء اكتشفوا مأخراً أن هناك كائناً صغيراً يعيش فوق البعوضة، وأن هذا هو المقصود بـ"بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا"، لا أنكر حينها أنني ارتجفت وقلت: سبحان الله، لكن مع مرور الأيام والتدقيق في المعلومات اكتشفت أن هذا كله مجرد افتراء وفبركة.

هناك فعلاً طفيلي يعيش مع البعوضة، لكنه ليس فوقها بالضرورة، بل يلتصق بها أو بأحد جناحيها كما أنه لا يعيش مع البعوض فقط، بل مع العديد من المخلوقات.

أما كان من الأفضل أن لا نقحم القرآن في هذه المتاهة ونأخذ المعنى الباطني للآية وهو أن الله يضرب الأمثال مهما كبرت أو صغرت؟

المشكلة أن هذه القصص المفبركة قد تتفاقم إلى أن تصبح سبباً في أمراض وفقدان حياة الكثير من الناس، ولعل أشهرها هو ما يتعلق ببول البعير، نعم يدعون أنه شفاء للعديد من الأمراض وبالأخص السرطان، نعم المرض الذي ضحى الكثير من العلماء في سبيل تطوير طرق علاجه هم يعالجونه فقط ببول البعير، لكن مع القليل من التعمق في المصادر العلمية التجريبية ستكتشف أنه بول كباقي الأبوال، أي أنه مضر ويحتوي على سموم ومواد خطيرة كحمض اليوريك مثلاً.

هم يستدلون بحديث "اشربوا من ألبانها وأبوالها"، المشكلة ليست في الحديث بل وضعهم الحديث في إطار غير ملائم، متناسين أن هذا الفعل كان مقبولاً عند العرب آنذاك، وكان الرسول محمد عليه الصلاة والسلام يمارسه بصفته الشخصية وليس بصفته النبوية؛ لأنه كان فرداً من هذا المجتمع العربي، نفس هؤلاء هم من يزعمون أن الإنسان لم يصعد قط إلى الفضاء، ولن يصعد مستدلين بآيات كثيرة، وأن سورة الحديد ترتيبها في القرآن كذا وكذا وهو نفس عدد ذرات الحديد، وهم لا يزالون على هذه الدوغمائية حتى صرنا أُضْحُوكة.

نعم إن الغوص في معاني القرآن قد يؤدي إلى استشعار معانٍ راقية وأحياناً علمية، لكنه استشعار معانٍ وليس إيجاد حل لمعادلة فيزيائية، وهذا طبيعي بل ومتناسب مع طبيعة وغاية القرآن فهو ليس كتاباً في العلوم الطبيعية وليس مطالباً بأن يكون كذالك، "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" ذِكر وليس معجماً تفسيرياً.

ربما يكون أدق وصف لِمُتبني فكر الإعجاز العلمي هو ما قاله الدكتور أحمد خيري العمري: "الزوجة التي تطالب بأدلة على حب زوجها لها وإخلاصه تعبر ضمنياً عن وجود شكّ ما في داخلها اتجاه هذا الأمر"، هذا تماماً ما يفعله هؤلاء فهم بإصرارهم على إيجاد معجزة علمية في القرآن حتى ولو لم تكن موجودة فهم يعبرون بطريقة أو بأخرى أنهم غير متشبعين لمعجزة القرآن التي تتجلى فيه كَكِتاب سماوي مقدس.
ربما لو بحثوا قليلاً سيجدون أن القرآن مليء بعبارات: أفلا تعقلون، أفلا تتفكرون، حينها كان من الممكن أن يتوقفوا عن هذه الافتراءات والخرافات، ربما لم يخبرهم أحد أن زمن المعجزات قد ولّى، وأن المعجزة الحقيقية الموجودة في القرآن هي فتحه لباب العقل.

ياسين الشرقاوي