أحد الموالين يافطة تقول: يا ويلنا من بعدك، مع صورة مهيبة للمعلم، وربما من أجل ذلك يسعى بعضهم لتوريث أبنائه الزعامة والقيادة
 

تمهيد: معلّم الحزب الواحد

"المعلّم" هنا، لا يمُتُّ بصلة للمعلم الأول أرسطو اليوناني، أو المعلم الثاني عند العرب الفارابي، أو المعلم الذي رفعهُ الشاعر أحمد شوقي إلى مصاف الرسول بقوله:"كاد المعلم أن يكون رسولا"، وهو بالطبع ليس معلم الصبيان الذي سخر منه الأديب الجاحظ، ونفر من سلوكه فقهاء الإسلام المبكّر (لتعليمه القرآن بأجر). أمّا "المعلم" الذي سنتناول بعض صفاته هنا فهو "المعلم" الذي أفرزته أنظمة الحزب الواحد التي اعتلت أرائك السلطة بالانقلابات العسكرية، وحذا حذوهُ بعض قادة الميليشيات التي ولّدتها هذه الأنظمة.

أولاً: المعلم العسكري

بفضل الانقلابات العسكرية، يعتلي القائد الطاغية سدّة الرئاسة الأولى، ويمارس طغيانه وديكتاتوريته بالظهور بالزّي العسكري، ومن أبرز تلك القيادات كان معمر القذافي في ليبيا، وحافظ الأسد في سوريا، وصدام حسين في العراق، وهؤلاء القادة مارسوا دور "المعلم" بالخطب والمحاضرات والتعليمات والتوجيهات ورفع القبضات، واعتلاء أكتاف الجماهير واكتساح صناديق الاقتراع بالكامل، وعلى منوالهم نسج "معلمون صغار"، أي أدنى رتبة، فراحوا يتقمصون شخصيات "مُعلّميهم" ويبرعون في تقليدهم بممارسة العنف و"البلطجة"، وامتهان كرامة مرؤوسيهم. وقد برع في ذلك ضباط المخابرات والأمن العسكري والأمن السياسي! وكان المعلم - الضابط يمتلك صلاحية توقيف واعتقال ، وربما تصفية، كل من يراه مُشتبهاً بشبهةٍ عامة أو خاصّة، ويستطيع أن يُنزل به أشدّ أنواع التعذيب والعقاب، مع الاحتفاظ بحقّ إطلاق سراح المشتبه به لقاء فدية أو رشوة ، أمّا إذا كانت تحوم شبهة معارضة للنظام عند المعتقل، فإنّ تهمة العمالة للعدو الإسرائيلي جاهزة مع ما يستتبعها من أهوالٍ وفظائع.

إقرأ أيضًا: السيد نصرالله على خُطى علي، والسيد الخامنئي على خطى عثمان

ثانياً: المعلم "المدني"

وقد يكون "المعلم" مدنياً، أي برتبة وزير أو نائب أو أمين عام حزب، أو نائب الأمين العام، أو المسؤول العسكري للتنظيم الحزبي، وحتى يستحق "معلّميتهُ" لا بدّ من مقرٍّ رحب، تحيط به مبانٍ مخصصة للمرافقين والحاشية والحُرّاس والاستقبال والتوديع، فيبسط سلطانه على مُشايعيه من أبناء الطائفة أو أعضاء الحزب أو العشيرة والقبيلة، يدافع عن حياضه وقت السلم، ولا يتوانى عن الانخراط في الحروب الأهلية عند اللزوم، حتى إذا ما وضعت الحرب أوزارها كان سهلاً عليه الانخراط في المعارك الانتخابية، والدخول في التشكيلات الحكومية، وذلك دون التخلي عن خصائص "المعلم" التي قادته إلى مقامه الرفيع.

ثالثاً: "إدمان" عبادة المعلم

لطول التحاق المواطنين والاتباع والأنصار ب"المعلم" يعتاد جمهور كبير من هؤلاء على "إدمان" عبادة المعلم وإطلاق الأوصاف والنعوت التبجيلية عليه، حتى يرسخ في أذهان عوام الناس بأن لا حياة ولا كرامة في حال غياب المعلم، لذا فهم يتضرّعون للّه بأن يُطيل بقاءه، ويُطلقون في ذلك العنان لخيالهم، كالشعار الشهير: قائدنا للأبد، حافظ الأسد، أو يرفع أحد الموالين يافطة تقول: يا ويلنا من بعدك، مع صورة مهيبة للمعلم، وربما من أجل ذلك يسعى بعضهم لتوريث أبنائه الزعامة والقيادة، وفنون "تعليم" الرعية حُسن الانضباط وحُسن التعلُّم.