الحريري وبعد أن كان على قاب قوسين او أدنى من إخراج البلد من أزمة كادت أن تطيح باستقراره، فإنه عاد وخلط الأوراق بتوجيه انتقادات قاسية إلى حلفائه في فريقه السياسي
 

من الواضح أن رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في وضع لا يحسد عليه فأمامه مهمات صعبة وقد تكون شبه مستحيلة إن لم نقل أنها في خانة الإستحالة فهو واقع بين المطرقة والسندان، مطرقة الحلفاء وسندان الخصوم وهو يحاول الخروج من هذا المأزق الخطير بأقل خسارة ممكنة سياسيًا وشعبيًا، لكنه محاصر بالمتطلبات الضاغطة التي تأتيه من كل حدب وصوب ،وتقفل بوجهه أبواب المرونة بإمكانية العثور على قواسم مشتركة تساعد في حلحلة الأزمات والمشاكل والتي من الممكن أن تفضي إلى حلول وسطية ترضي جميع الأطراف المشاركة في الحياة السياسية اللبنانية. 
فضربات مطرقة الحلفاء والأصدقاء وحتى من داخل الكتل الشعبية المناصرة له كما داخل التيار الأزرق تلاحق الرئيس الحريري تحت عنوان ما يصفونه بخضوعه للسياسات التي يفرضها حزب الله على لبنان سيما وأن القرارات المتعلقة بالتزام كافة التيارات السياسية اللبنانية بخيار النأي بالنفس وإبعاد البلد عن صراعات المنطقة والحروب المشتعلة فيها لم يأخذ طريقه للتنفيذ وهو ليس أكثر من كلام يتم تداوله في الصالونات السياسية ليس إلا ولا يعدو كونه حبرًا على ورق ولا يكترث له حزب الله، بل هو خارج اهتماماته ما يشكل السندان الصلب الذي لا يمكن اختراقه  ولا يعطي للرئيس الحريري فرصة النفاد فيه والإطمئنان إليه لاتقاء الجروح المؤلمة والندوب الموجعة. 

إقرأ أيضًا: التريث بالإستقالة هو مدخل للحوار الوطني
فالكلام الأخير للرئيس الحريري عن عملية الطعن في الظهر التي مورست ضده لدق إسفين بينه وبين السعودية وعن خيانات من قبل أصدقاء له وعن عزمه بق البحصة لكشف ملابسات ذلك، كل هذه الأمور تشكل عوامل من شأنها أن تبعده عن بعض حلفائه داخل فريق الرابع عشر من آذار وحتى من داخل تيار المستقبل نفسه إذ أن التحول في مقاربة الحريري للوقائع الميدانية بدأت ملامحها تظهر واضحة منذ ترشيحه للنائب سليمان فرنجية المقرب جدًا من رئيس النظام السوري بشار الأسد لإنتخابات رئاسة الجمهورية ومن ثم بعد ذلك تبني ترشيح العماد ميشال عون الحليف القوي والوفي لحزب الله، بحيث بدأ هذا التحول يأخذ أبعادا جديدة هذه الأيام تنقل الرئيس الحريري وتيار المستقبل إلى موقع مختلف عن الموقع الذي تموضع فيه منذ اغتيال والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري في الرابع عشر من شهر شباط العام 2005. 
وينطلق الرئيس سعد الحريري في مواقفه الجديدة من الأجواء التي واكبت مسألة وجوده في المملكة العربية السعودية إثر الإعلان عن استقالة حكومته من الرياض في الرابع من الشهر الماضي، إذ أن المعلومات تحدثت عن اتهامات سيقت ضد النائب فارس سعيد منسق فريق الرابع عشر من آذار بأنه كان يحرض ضد الحريري لدى السعودية. 
وفي السياق عينه فإن الإتهام نفسه تم توجيهه إلى سمير جعجع وإلى سامي الجميل باعتبارهما زارا السعودية قبل أسابيع من إستقالة الرئيس الحريري وأنهما نقلا لقيادة المملكة انتقادات حادة للسياسات التي يعتمدها الحريري باعتبارها مهادنة ومحابية لحزب الله. 

إقرأ أيضًا: إسرائيل تقضم فلسطين والعرب يصلون لأجلها
بعض الأوساط السياسية ترى في الجولة التي قام بها قائد ميليشيا عصائب أهل الحق قيس الخزعلي على عدد من القرى والبلدات في الجنوب اللبناني والتي أتت متقاربة من حيث التوقيت والأهداف بتصريحات نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم من طهران، كلها تفاصيل أتت بعد وقت قصير من إتمام ما تم الحديث عنه لجهة التوافق على توليفة مسألة النأي بالنفس التي أدت إلى تراجع الرئيس الحريري عن إستقالته. 
وعلى الرغم من وعود الحريري بمتابعة مسألة النأي بالنفس بما يحمي السعودية من أي حملات عدائية تستهدفها من لبنان، إلا أن بعض الجهات تنتقد موقف الحريري بوضع نفسه في نقطة وسط حماية لمصلحة البلد وفق ما يردد دائمًا، فيما تاريخه يفرض عليه التموضع بشكل حاسم ضد الهيمنة الإيرانية في المنطقة وضد السياسة التي يمارسها حزب الله في البلد. 
فالرئيس سعد الحريري وبعد أن كان على قاب قوسين أو أدنى من إخراج البلد من أزمة كادت أن تطيح باستقراره، فإنه عاد وخلط الأوراق بتوجيه إنتقادات قاسية إلى حلفائه في فريقه السياسي، الأمر الذي أعاد الجدل في المشهد السياسي اللبناني إلى المربع الأول من التأزم بما يخدم توجهات حزب الله على حساب مصلحة الوطن.