إجماعي لبناني موّحد على إدانة قرار الرئيس الأميركي
 

أجمع لبنان بكل أطيافه السياسية على استنكار قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة إليها، وأبلغ رئيس الجمهورية ميشال عون الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال اتصال هاتفي أجراه معه أمس الخميس، وقوف لبنان رئيسًا وشعبًا إلى جانب الشعب الفلسطيني في رفضه الخطوة الأميركية، مؤكدًا ضرورة مواجهة هذه الخطوة المرفوضة بموقف عربي واحد.
واعتبر عون نقلًا عن صحيفة "الحياة"، "أن القدس التي تتمثل فيها كل الأديان السماوية لا يمكن أن تكون خالية من المسيحيين ومن المعالم المسيحية، فكيف يمكننا أن نتخّيل وجود المسيحيين في العالم، من دون أن يكون لديهم كنيسة المهد وكنيسة القيامة ودرب الجلجلة ومدينة الرسل؟ فهذا أمر خارج عن إطار الإنسانية، والأديان السماوية الثلاثة، وأكدت موقفي المعارض لهذا التدبير باسم جميع اللبنانيين، لأنه مخالف للحقوق وللإنسانية، ورأى عون أن الولايات المتحدة خسرت نتيجة هذا الموقف صفتها كدولة عظمى تعمل على وضع حلول تحقق السلام العادل في الشرق الأوسط".
من ناحيته دعا رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى عقد جلسة عامة بعد ظهر اليوم الجمعة مخصصة للبحث في قضية القدس، مؤكدًا في اتصال هاتفي مع الرئيس عباس على أن القرار الأميركي هو ضد كل عربي ووطني وضد كل القرارات الدولية وهو احتلال جديد لا يقل عن احتلال 1948 لأنه يطاول جميع المسلمين والمسيحيين.
وفي السياق ذاته، أطلقت المديرية العامة للأوقاف الإسلامية، بتوجيه من مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان تعميمًا على جميع خطباء المساجد في لبنان لتخصيص خطبة الجمعة عن القدس والتنديد بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل، كذلك يعقد المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى اجتماعًا طارئًا لهيئتيه الشرعية والتنفيذية، اليوم في مقر المجلس برئاسة رئيسه الشيخ عبد الأمير قبلان للتباحث في القرار.
ومن جهته، وصف الرئيس سعد الحريري خطوة ترامب بأنها تنذر بمخاطر تهب على المنطقة، قائلًا: "لبنان يندد ويرفض هذا القرار ويعلن أعلى درجات التضامن مع الشعب الفلسطيني وحقه في قيام دولة مستقلة عاصمتها القدس".
وبدوره استنكر الرئيس السابق ميشال سليمان محاولة تهويد القدس وضرب مبادرة السلام العربية، وأكد أن القدس الشرقية كانت وستبقى عاصمة فلسطين، مهد المسيحية وأول القبلتين، وهي عاصمة المؤمنين في العالم أجمع كما قال البابا فرنسيس، ومن واجب جميع القوى أن تتحد في موقف مشترك دفاعًا عن قدسيتها وعروبتها في آن.
وبدوره، ندد رئيس حزب القوّات اللبنانيّة سمير جعجع بقرار ترامب، قائلًا: "إنه ليوم حزين في تاريخ الشرق الأوسط"، معتبرًا أن "اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل ينسف كل مساعي السلام وصولًا إلى مفاوضات الحل النهائي وهو خطوة استفزاز لشعور كامل شعوب المنطقة من مسلمين ومسيحيين لما تشكله المدينة من رمزية دينيّة بالنسبة إليهم"، ودعا إلى "العودة السريعة عن هذه الخطوة لما يمكن أن يكون لها من ارتدادات سلبية على إمكان عقد أي مفاوضات سلام في المدى المنظور من أجل حل القضية الفلسطينيّة".
وكان المفتي الشيخ دريان اتصل بالرئيس عباس وأبلغه إدانته القرار المعادي لحقوق الإسلام والذي يضرب بعرض الحائط الشرعية الدولية المتمثلة بالقرارين 242 و338 اللذين ينصان على اعتبار القدس وكل الضفة الغربية أرضًا فلسطينية محتلة، وشدد له على أن وحدة الفلسطينيين ووحدة العرب السبيل الوحيد للتصدي ومواجهة هذا القرار السيئ والمشؤوم بحق الفلسطينيين والعرب والمسلمين والمسيحيين.
ورأى رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان، أن القرار الأميركي تحدٍ لمشاعر المسلمين والمسيحيين على السواء، وتتويج للغطرسة الأميركية في دعم الكيان الصهيوني القائم على الإرهاب واغتصاب الأرض وتشريد أصحابها منها، فالقدس عربية الهوية إيمانية الانتماء، ولا يمكن أي سلطة أن تمسخ هويتها وتشوه معالمها، ودعا إلى إعلان اليوم "يوم غضب ضد القرار الجائر"، وطالب خطباء الجمعة ووعاظ الكنائس إلى التركيز في خطبهم على خطورة القرار الأميركي، وإبراز مكانة القدس ودعم الشعب الفلسطيني.
من جهة أخرى دانت النائب بهية الحريري القرار الأميركي، وقالت: "نحن أمام نكبة جديدة للإنسانية جمعاء"، معتبرة أن "انتزاع القدس من فلسطينيتها وعروبتها عملية تزوير جديدة للتاريخ والجغرافيا في فلسطين لا يمكن ولا يجب السكوت عليها"، وشددت على أن "الدفاع عن هوية القدس الفلسطينية العربية مسؤوليتنا جميعًا، دولًا وحكومات وشعوبًا عربية وإسلامية، بل مسؤولية العالم أجمع"، ودعت "المجتمع الدولي إلى أن يحذو حذو منظمة «أونيسكو» في قرارها قبل أشهر باعتبار إسرائيل محتلة للقدس".
هذا وقد أعلنت الأحزاب والقوى الوطنية والتقدمية في بيان، أن القدس عاصمتنا، ولا يمكن شطب التاريخ والجغرافيا بقلم ساكن البيت الأبيض وسياساته، ودعت إلى التركيز على خيار المقاومة، وطالبت بالتظاهر والتحرك الشعبي أمام السفارات والمصالح الأميركية في كل العواصم العربية وبينها السفارة الأميركية في لبنان قبل ظهر الأحد المقبل.
من ناحيتها رأت حركة أمل أن القرار الأميركي يمثل مدخلًا لصفقة العصر الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية، وشددت على أن الوضع يستدعي تسريع المحادثات لتوحيد الصف الفلسطيني واستعادة أجواء العمل العربي المشترك وإعادة بناء الثقة في العلاقات بين الدول الإسلامية بدل الوقوع في الفتنة.
وبدورها، وصفت الجماعة الإسلامية القرار بأنه عدوان جديد على أمتنا العربية والإسلامية وتجاوز جديد للأعراف والقوانين الدولية وحقوق الشعب الفلسطيني، واعتبرت أن الإنقسام في الصف العربي والإسلامي وتقديم البعض لأجندات خاصة وفئوية على حساب الأمة ومقدساتها فتحا المجال لإتخاذ هذا القرار العدواني، داعية إلى رأب الصدع في الصف العربي والإسلامي، ورص الصف الفلسطيني في هذه المواجهة.
وعلى خلفية هذا القرار قال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في كلمة متلفزة مساء أمس الخميس: "أمام هذا الإعتداء الأميركي نحن معنيون بتحمل المسؤولية، إذ سمعنا محللين إسرائيليين كبارًا قالوا إن كل ما يقال عن ردود فعل على قرار ترامب لا قيمة له ولن يحصل شيء في العالم العربي والإسلامي"، داعيًا إلى تظاهرة شعبية بعد ظهر الإثنين المقبل في ضاحية بيروت الجنوبية لإستنكار قرار ترامب.
وأضاف نصرالله: "الأميركيون يعرفون أن في هذا إهانة واعتداء على مشاعر بليون و500 مليون مسلم في العالم ومعهم مئات الملايين من المسيحيين الذين لا يوافقون على هذه الخطوة ويشعرون بالإستفزاز بأن المدينة المقدسة لديهم التي تحتوي مقدساتهم وتحمل هويتهم الدينية تم إعطاؤها هكذا لدولة صهيونية مصطنعة. 
وفي هذا السياق، أكد نصرالله "أننا أمام رجل لا تعنيه مشاعر ولا قيم، ومن الدلالات أن ما فعله ترامب هو خرق للمواثيق الدولية والاتفاقات الموقعة، وهذا يعني أننا أمام إدارة لا تحترم القرارات الدولية وتريد من العالم أن يحترمها ولا تلتزم بالإتفاقات الدولية وتنسفها ساعة تشاء وتنسحب منها وتضربها بعرض الحائط ساعة تشاء"، واعتبر أن "من جملة الدلالات ما هي قيمة حلفاء أميركا، أكثر من 50 دولة عربية وإسلامية ودول مهمة، ماذا تعني لترامب في قضية حساسة من هذا النوع؟ لا شيء"، مشيرًا إلى أن الرئيس الأميركي لم يرد على كل الشجب والإدانة.