في شهر آب الماضي أجرت مؤسسة لبنانية متخصصة استطلاعاً لآراء اللبنانيين حول أوضاعهم والمنطقة بطلب من مركز بحثي أميركي جدّي يمارس فيه دايفيد بولوك أبحاثه واختصاصه الاستطلاعي. لم ينشر بولوك نتائج الاستطلاع إلا بعد أيام من استقالة الرئيس سعد الحريري من الرياض، وقبل اتضاح الظروف الضاغطة التي دفعته إليها. ولذا انطلق من مسبّباتها الرسمية كما وردت في بيان الاستقالة.
طبعاً لا تمس هذه “الظروف الضاغطة” صدق نتائج الاستطلاع ودقّته، لكن لا بد من ملاحظة هي أن تقدير بولوك عدد الشيعة بـ40 في المئة قد ينطوي على مبالغة. إذ أن الفرق العددي بينهم وبين السنّة أقل من 10 في المئة. فأعداد أبناء المذهبين متقاربة الى حد ما. فضلاً عن أن الجزم في أعداد المنتمين الى طوائف لبنان ومذاهبه وأديانه ليس علمياً في غياب الإحصاءات العلمية الدقيقة سواء التي تجريها الدولة أو مؤسسات القطاع الخاص. هذا الغياب دفع الكثيرين الى اعتبار لبنان “دولة الإحصاء اليتيم” الذي أجراه الفرنسيون عام 1932 في أثناء انتدابهم على لبنان وقبل 11 سنة من استقلاله. ماذا عن نتائج الاستطلاع؟
يظهر السؤال عن الموقف من حزب الله مدى الاستقطاب المذهبي، إذ أن %85 من السنّة رأيهم سلبي فيه، و%14 منهم رأيهم ايجابي. أما عند الشيعة فالنسبة معاكسة تماماً، إذ أبدى %88 منهم رأياً ايجابياً فيه (%83 إيجابي جداً)، في حين كان رأي %11 منهم سلبياً. ويرى بولوك الباحث و”المستطلع” تراجعاً في الايجابية إذ كانت %94 في استطلاع أُجري قبل سنتين. ويرجّح أن يكون التراجع الآن أكثر بعد نتائج الانتخابات البلدية عام 2016 إذ صوّت %45 من الشيعة لمرشحي “أمل”. وهذا الرقم صحيح لكن لا يمكن اعتماده للقول إن “حزب الله” يضعف شعبياً. فالغالبية الشيعية تؤيّد “ثنائية” أمل و”الحزب”. والاستراتيجية الوطنية والإقليمية والمُقاوِمة للاثنتين واحدة، وهما يخوضان الآن معركة بقاء جرّاء الصراع السنّي – الشيعي في المنطقة. لكن انفصالهما رسمي في السياسات المحلية جداً والانتخابات النيابية ليست منها، وأحياناً قد “يشتبك” أنصارهما في عدد من القرى، ولكن لا أحد منهما يخرق السقف الواحد. أما المسيحيون فيبدون منقسمين حيال إيران راعية “حزب الله”، إذ أن %45 منهم معه و55% يعارضونه.
أما في موضوع إيران فالآراء منقسمة أيضاً. فـ%88 من سنّة لبنان يعارضون سياستها الاقليمية و%82 من الشيعة يؤيّدونها. و%63 من المسيحيين يعارضونها و%37 فقط يؤيّدونها. وفي ما يختص بمواقف اللبنانيين من سياسات أميركا فإنها مختلطة. %87 من الشيعة ضدّها. أما عند السنّة والمسيحيين فإن النصف يرون هذه السياسة ايجابية، وهي نسبة أعلى من نسب مماثلة في دول عربية عدة. علماً أن الثلث عند كل من الطائفتين يرى المحافظة على علاقة جيدة بواشنطن أمراً مفيداً للبنان.
أما الشيء المُشرق، الى جانب الانقسامات العميقة المفصّلة أعلاه فهو أنّ الغالبية في كل طائفة أو مذهب تتحدث عن التسامح الديني. واجمالاً كل مجموعة مذهبية توافق على أن “على العرب العمل بقوة أكبر لمصلحة التعايش والتعاون بين السنّة والشيعة”. والثلثان في كل مجموعة توافق على أن “إصلاحاً سياسياً واقتصادياً داخلياً هو أكثر أهمية للبنان من أي موضوع يتعلّق بالسياسة الخارجية. كما أن غالبية أضعف من الثلثين مؤلفة من السنّة والشيعة والمسيحيين تؤيد “الذين هم بيننا ويحاولون تفسير الاسلام بطريقة معتدلة متسامحة وحديثة التوجّه”. وبالمقارنة فإن النسبة حول هذا الموضوع في دول عربية عدّة أقل بكثير وتبلغ نحو %30.
ماذا عن إسرائيل؟
فقط أقلية من مجموعات السنّة والشيعة والمسيحيين تريد “دوراً لدول عربية في مفاوضات السلام الفلسطينية – الاسرائيلية” في حين أن الغالبية في دول عربية استُطلِعت تريد ذلك. وهناك أمر آخر يختلف فيه اللبنانيون عن العرب، إذ أن نسبة صفر في المئة من السنّة والشيعة والمسيحيين (أي لا أحد) “تؤيّد العمل مع إسرائيل على قضايا أخرى مثل التكنولوجيا ومحاربة الإرهاب واحتواء إيران”.