تصفية الرئيس السابق علي عبدالله صالح على يد الحوثيين، قد تكون أجّلت الانتفاضة التي أراد صالح نفسه أن يشعلها ضدّهم إلى حين، دون أن تكون قد قضت عليها بشكل نهائي. فالمعركة بين أتباع الرئيس السابق والمتمرّدين الموالين لإيران أصبحت بالفعل معركة بقاء
 

تعتمل تحت الهدوء الظاهري الذي فرضته ميليشيا الحوثي بقوّة السلاح في العاصمة اليمنية صنعاء، حالة من الغضب والاحتقان الشديدين بعد إقدام الحوثيين على قتل الرئيس السابق علي عبدالله صالح، ما ينذر بانفجار شديد في المدينة ومحيطها بوجه الميليشيا الموالية لإيران.

وتوعّد قيادي في حزب صالح “المؤتمر الشعبي العام” في تصريح لـ”العرب” بإشعال ثورة شعواء بوجه الحوثيين، مؤكّدا أنّ الاتصلات بدأت فعلا بين أعضاء المؤتمر من المدنيين والعسكريين للتنسيق بشأن إعادة تجميع الصفوف وتنظيم المقاومة.

وقال القيادي الذي طلب عدم ذكر اسمه لخطورة الموقف “إنّ مقتل صالح ليس النهاية بقدر ما سيكون البداية الفعلية لاستعادة صنعاء من الميليشيا الطائفية”.

ويعي الحوثيون خطورة الأوضاع التي سيواجهونها ويحاولون استباقها بتشديد القبضة الأمنية من خلال حملات اعتقال وتصفية جسدية لمعارضيهم.

ويلف الغموض مصير معظم قيادات حزب المؤتمر وأقرباء صالح، في ظل أنباء عن قيام ميليشيا الحوثي بحملات اعتقال ومداهمة طالت قيادات من الصفين الأول والثاني في المؤتمر، وتعرض العديد من العسكريين والمدنيين الذين لعبوا دورا في الانتفاضة الأخيرة للتصفية الجسدية.

وأفاد بيان لحزب المؤتمر، صدر الثلاثاء، بأن القائد العسكري الكبير في قوات صالح طارق محمد عبدالله صالح، وهو ابن أخ الرئيس السابق، قتل خلال اشتباكات مع مسلّحي الحوثي.

ورجّح مراقبون سياسيون يمنيون حدوث تحولات هائلة في خارطة الاصطفافات خلال الفترة المقبلة حيث من المتوقع انتقال الجزء الأكبر من القيادات العسكرية والسياسية والقبلية الموالية لصالح إلى جبهة الشرعية، فيما سيعمد الحوثيون إلى تنصيب قيادة جديدة لما بقي من حزب المؤتمر في صنعاء من الموالين لهم.

ويرى متابعون للشأن اليمني أنّ الأحداث الأخيرة التي أجهزت على التحالف الظرفي الذي جمع بين الحوثيين وأتباع صالح، لن تكون عديمة التأثير على الأوضاع الميدانية وعلى الجهد الحربي للمتمرّدين.

من المتوقع انتقال الجزء الأكبر من القيادات العسكرية والسياسية والقبلية الموالية لعلي عبدالله صالح إلى جبهة الشرعية
ويتوّقع هؤلاء انهيارا وشيكا في الجبهات التي كان يتولّى فيها الحرس الجمهوري السابق الموالي لصالح مهام رئيسية مثل جبهات نهم وصرواح وعدد من المناطق القبلية التي يسود فيها الولاء لصالح وحزب المؤتمر مثل خولان وسنحان وبني بهلول.

وبشأن الموقف من التحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية دعما للشرعية اليمنية، قال القيادي المؤتمري “إنّه سيجري الالتزام بما أعلنه زعيم ومؤسس المؤتمر بشأن فتح صفحة جديدة مع الجوار العربي”.

وكانت السعودية قد أعربت عن أملها في أن يتخلّص اليمن من “الميليشيات الحوثية الطائفية الإرهابية المدعومة من إيران”، في أول تعليق لها على التطورات في اليمن بعد مقتل علي عبدالله صالح.

وجاء في بيان لمجلس الوزراء السعودي الذي انعقد الثلاثاء في الرياض برئاسة الملك سلمان بن عبدالعزيز أن السعودية تأمل في “أن تسهم انتفاضة أبناء الشعب اليمني ضد الميليشيات الحوثية الطائفية الإرهابية المدعومة من إيران، في تخليص اليمن من التنكيل والتهديد بالقتل والإقصاء والتفجيرات والاستيلاء على الممتلكات العامة والخاصة”.

وساد العاصمة اليمنية صنعاء، الثلاثاء، هدوء حذر بعد يوم من مقتل صالح وسط إجراءات أمنية بالغة الصرامة فرضها المسلّحون الحوثيون، وحالة ترقب لما ستؤول إليه الأوضاع.

ونقلت وكالة الأنباء الألمانية عن بعض سكان المدينة قولهم إنّ “حالة من الخوف مازالت مهيمنة على المواطنين، في ظل توقف كبير لحركة المرور، مع استمرار تعطّل العملية التعليمية في الجامعات والمدارس”.

وقالت المواطنة هالة عبدالله إن “الوضع في صنعاء يتّسم بنوع من الهدوء، لكن القلق مازال مستمرا على وضع العاصمة واليمن بشكل عام”.

وتابعت “عشنا حالة كبيرة من الرعب خلال الأيام الماضية، بسبب اندلاع الاشتباكات. فالمواجهات ولّدت لدى الكثيرين رعبا كبيرا، وجعلت العديد من السكان يعزفون عن الخروج من المنازل”.

وتسود الأوساط الموالية للرئيس اليمني السابق حالة من الغضب الشديد تتجاوز الحوثيين إلى الجهات الواقفة خلفهم والداعمة لهم.

ويحمّل أتباع حزب المؤتمر إيران بشكل رئيسي مسؤولية ما حدث، إلاّ أنهم يقولون إنّ قطر لم تكن بدورها بعيدة عن مقتل صالح.

وتداول ناشطون يمنيون صورا لنجل تاجر السلاح اليمني الشهير الموالي للحوثيين فارس مناع وهو يشارك في عملية قتل الرئيس السابق.

وأكد الناشطـون تـورّط رشيد فـارس مناع الذي ظهر في فيديو مقتل صالح بعملية الإعدام، الأمر الذي يعزز من فرضية دخول قطر على خط الأزمة بين صالح والحوثيين، نظرا للعلاقة التي تربط الدوحة بتاجر السلاح مناع الذي لعب دورا كبيرا في توفير السلاح للحوثيين عقب الوساطة القطرية بين الدولة اليمنية ومتمردي صعدة في العام 2007.

وعن الأهداف القطرية التي تقف خلف رغبة التخلص من صالح، أشار مراقبون إلى حالة عدم الثقة بين الرئيس السابق والقطريين والتي تعززت عقب تورّط الدوحة من خلال رئيس لجنة وساطتها في حرب صعدة الرابعة سيف بن مقدم البوعينين في دعم الميليشيات الحوثية من خلال إقامته في منزل فارس مناع بصعدة لشهور عمل خلالها على إعادة بناء القوة العسكرية والاجتماعية للحوثيين، ومن ثم دعم الاحتجاجات المطالبة بإسقاط نظام صالح في العام 2011، ومحاولة إفشال المبادرة الخليجية وصولا إلى استثمار الحوثيين في تهديد أمن السعودية والحؤول دون انهيار معسكر الانقلاب، وهو الأمر الذي اتضح جليا من خلال الوساطة القطرية بين الحوثي وصالح التي رفضها الأخير.