تأثرت الكاتبة لوركا عندما قابلت والدها المفكر والشاعر مصطفى سبيتي الموقوف في نظارة قصر العدل في النبطية. ظروف النظارة صعبة حيث عدد من الموقوفين في غرفة صغيرة. تحدثت معه من طاقة صغيرة. لم تر عبرها إلا عينيه. 

يعاني سبيتي من داء السكري. ويرفض تناول الدواء بحسب ما ذكرته لـ" النهار". في حين هو وبحنان الوالد المتأثر لتأثر ابنته يطمئنها ويطلب منها عدم القلق عليه.

ما عسى يقول الوالد ابن الـ 65 عاماً عن حاله الصحية، الموقوف منذ الاثنين الماضي لزلة على موقع التواصل الاجتماعي ما لبث أن سحبها معتذراً. ويخبر ابنته أنه يمضي وقته في النظارة مع الموقوفين يلقي فيهم محاضرات ثقافية وفكرية ويتلو على مسمعهم قصائد شعرية.

هوذا الشاعر سبيتي المثقف اينما حل. تصفه لوركا. صاحب ظل خفيف. كل من يتعرف إليه يتطلع إليه رجل فكر وقلم وكتاب وقصائد لا تنتهي. الكتاب رفيقه الدائم. تقول عن والدها. مذ وعت الدنيا لدرجة سادها اعتقاد ان الناس تمضي وقتها في المطالعة فحسب، ولا تقوم بأي عمل آخر في هذه الحياة. يكتنز في ذاكرته ألفية ابن مالك التي تتضمن ألفي بيت شعر في القواعد العربية. منفتح على كل الأديان وإنسان محب في وسط رجال الدين من كل الطوائف والكل يبادله هذا الشعور. ولطالما ألقى على مسامعهم قصائد في المحبة.

هذيان شاعر

هو لم يقصد في ما كتبه الاساءة، تركز لوركا. ما كتبه له علاقة بخيال شاعر وهذيانه. وكلنا كشعراء نعرف هذا الأمر. والفرق ان بعض الغير ربما يضع خطوطاً حمراً وله حساباته. في حين يعيش هو في عالمه. لا يحوز جواز سفر لأنه لا يحب مغادرة لبنان. سبيتي لمن لا يعرفه هو المناضل والمجاهد ضد اسرائيل. وأتذكر يوماً أننا استيقظنا على جنود إسرائيليين في منزلنا في بلدتنا كفرصير بحثا عنه لاعتقاله. ويومذاك سأل الاسرائيليون شقيقي فيدال عن اسمه فأجابهم اسمي"عباس".

استغرب والدي التعريف بنفسه بإسم مغاير. وعندما عاد والدي سأل الابن عن السبب فاجابه "لو علموا بإسمي نسبة الى فيدال كاسترو لكانوا أعدموني". نشأنا على هذا المعتقد. عام 1982 اعتقل الاسرائيليون والدي مصطفى سبيتي في سجن الخيام. في هذا الجو الحر نشأنا. وبيتنا لم يشهد سوى لقاءات حول الشعر والثقافة والموسيقى.

"خانني التعبير" اردف سبيتي لابنته. " نحاول احيانا نحن الشعراء التعبير عن فكرة"، تقول لوركا، والدي يحترم كل الاديان ويجلها. ويحترم الآخر أياً كان معتقده. خانه التعبير في لحظة تخلٍّ شعرية. وسحب ما نشره على الفور، لكنه انتشر في سرعة. تربينا في منزل كانت جدتي تحتفظ فيه بصورة السيدة العذراء على طاولة. وكانت تخبرني عنها. وتعتب لوركا على ما حصل لوالدها وهو المفكر والمبدع والشاعر اللبناني الذي بقي مغمورا رغم كل عطاءاته الفكرية من أصحاب الشأن. ويواجه التوقيف في زنزانة مع مقترفين بسبب بوست سحبه على الفور معتذراً، وكلنا نعلم ان من كتبه هو مناضل وشاعر وكتب عن الدين الآخر والمحبة وقضايا انسانية مثلما كتب عن فلسطين. وحصل خطأ كان يقتضي ان يتم الاستماع الى تبريره ولكن لا يسجن رجل في عمره. فهو علماني وغير طائفي ولا يمكن ان يثير النعرات. ولديه أحباب وأصحاب كثر على طول الجغرافيا اللبنانية يحلفون بحياته ومن غير الممكن أن يثير ذلك. وطالبت بالإفراج عنه وخصوصاً أنه "يعاني من داء السكري ويرفض تناول العقاقير دوماً ويعتبر ان الشعراء لا يمرضون ولا يموتون. ويعتبر أن هذا الداء يصيب الدماغ وليس الجسد ودماغه جيد وقوي".