لا فحوصات نفسية تخضع لها العاملات المنزليات قبل مباشرتهن العمل في المنازل اللبنانية. استنتاج فرض نفسه بعد الجريمة التي نفذتها العاملة الأثيوبية في منطقة الرابية منذ أسبوع، ما أسفر عن مصرع سهى كمال حتي واصابة زوجها  شارل وليم سكاف. ورغم ان مصطلح "الفحوصات النفسية" هش، الا ان المشكلة، وفق ما يقول خبراء، تبدأ في عملية استقطاب العاملات من الدول الأجنبية من دون معرفة ما اذا كانت العاملة تعاني وضعاً غير سوي قبل قدومها الى لبنان، او معرفة اذا كانت مستعدة للعمل في مكان بعيد. فيما الوضع غير السوي يظهر على العاملة من اللقاء الأول بعد قدومها الى لبنان، أو انه يولد نتيجة تراكم للوضع الذي تعيشه في منزل رب عملها. واللافت أيضاً، ان قانون العمل لا يتطرق الى الشق النفسي في شروط استقدام العاملات.

الجدير ذكره أن اسباب الجرائم التي ترتكبها العاملة لا ينتج من وضع غير سوي، لأن حالات نادرة فقط منهن قد يعانين وضعاً مريباً. لكن الأقاويل الشعبية في لبنان تصف العاملة على أنها "مجنونة"، وتقرن فعل الجرم بالجنون. وهذا وصف مرفوض وخاطئ وغير دقيق.

فيما المعضلة الأساسية في الموضوع تكمن في استقدام عاملات غير متعلمات من مناطق نائية بعيدة عن المدن، وفق ما تقول لـ"النهار" المسؤولة عن قسم الإتجار بالنساء في منظمة كفى غادة جبور. اذ يأتين بهن لأنهن أكثر قدرة على تحمل الضغوط التي يواجهنها في منازل أرباب العمل من اولئك اللواتي على اطلاع على المعارف او سبق لهم ان دخلوا المدرسة أو اكتسبوا المعارف ما يسهل ادراكهم لحقوقهم ومطالبتهم بها ويكسبهم الوعي اللازم للتعامل مع الظروف التي يعايشنها في بلاد الاغتراب. هذا ما ينتج وضعا شديد الهشاشة للعاملة بعد الضغوط التي تتعرض لها.

من هنا، تؤكد جبور "وجوب دراسة كل حالة من الحالات على انفراد لمعرفة الاسباب التي تدفع العاملة الى ارتكاب جريمة، ولكن غالباً ما يكون السبب دفاعا عن النفس او الظروف الصعبة التي تعيشها في منزل رب العمل. فيما تلجأ بعض العاملات الى قتل أنفسهن او الهروب من نافذة المنزل سعيا منها للنجاة، وهذا ما قد يسبب لها شللا دائما، وهي حالات نصادفها على الدوام". وتقول انه "لا يمكن توقع الأسباب التي تدفع العاملات الى ارتكاب الجرائم، ولكن العاملة التي تعرّضت للاضطهاد واستطاعت الهرب من المنزل تروي ما كانت تتعرض له من استبداد في منزل مستخدميها".

 

المستندات المطلوبة 

حدّدت وزارة العمل اللبنانية المستندات المطلوبة لإجازة عمل عاملة او عامل في الخدمة المنزلية بالأتي:

ـ عقد عمل أصلي مصدق لدى كاتب العدل يتضمن بصورة خاصة نوع عمل الأجنبي ومدته، ومكانه وقيمة الراتب الشهري.

ـ شهادة الإيداع الأصلية.

ـ صورة عن جواز سفر العامل الأجنبي الذي يتضمن تأشيرة الدخول إلى لبنان لا تقل صلاحيته عن 8 أشهر (صفحة الصلاحية + الصفحة الإسمية + تأشيرة الدخول).

ـ صورة عن بطاقة هوية أو إخراج قيد إفرادي لرب العمل واذاعة تجارية أو إفادة سجل تجاري مع صورة بطاقة هوية أو إخراج قيد إفرادي للمفوض بالتوقيع.

ـ فحص مخبري (النسخة الأصلية) صادر عن أحد المختبرات المرخصّ لها من وزارة الصحة يتضمنلفحوصات الأمراض الآتية: السل – السفلس – السيدا – الملاريا – الصفيرة (الريقان)، ويُزاد عليها للرعايا المصريين والسودانيين فحص البلهارسيا.

ـ بوليصة التأمين (بالعربية) لا تقل صلاحيتها عن 8 اشهر صادرة عن شركة تأمين معتمدة بوالصها من قبل وزارة العمل (أصدرت وزارة العمل قراراً رقمه 142/1 يقضي بإلغاء القرار رقم 124/1 تاريخ 9/10/2003 المتعلق ببوليصة التأمين على الخدم والأجراء الأجانب وباستبداله بأحكام جديدة – الجريدة الرسمية – العدد 53 – 20/11/2003).

ـ صورة عن بطاقة التأمين أو الإيصال المالي.

ـ صورتان شمسيتان للعاملة أو للعامل في الخدمة المنزلية.

تخلو المستندات المطلوبة المذكورة من التطرق الى الشق النفسي لوضع العاملة المنزلية، فهل ذلك متاحٌ حقا؟

 

مكاتب الاستقدام 

المشكلة هي ان الظواهر النفسية تظهر عادة على العاملات بعد تعرضهن للمعاملة السيئة من أصحاب العمل، وفق ما تقول لـ"النهار" صاحبة مكتب استخدام مرخص في الدكوانة جيزيل أبو شقرا. اذ أن غالبية المشاكل تظهر في رأيها بعد سنوات على اقامة العاملة مع مستخدمها، من دون ان تشكو من أي اضطرابات لحظة قدومها. فالجريمة الأخيرة التي ارتكبت على سبيل المثال "نتجت بعد اقامة العاملة لسنوات مع أصحاب المنزل، ولكنها نفذت في ليلة واحدة. ما يعني ان العاملة تأتي الى لبنان من دون ان تعاني اي عوارض نفسية، وهذا جلي للعلن، لأن أي اضطراب سيظهر حتما عليها في حال لم تكن سوية، او ان اصحاب العمل سيشكون منها سريعا. ولكن ما يحصل ان العوارض نفسها تعود لتظهر بعد سنوات من اقامتها. وقد أثبتت التجارب التي شهدناها في مكتب الاستخدام الخاص بنا ان جزءاً كبيراً من العاملات لا يحظين بحقوقهن الأساسية، من غرفة خاصة ويوم عطلة وهاتف للتحدث مع العائلة، حتى ان البعض يحاسب العاملة على كلّ كوب تكسره، فيخصمون سعره من راتبها. هذا فضلا عن المعاملة القاسية التي يمكن ان تواجهها، والتي لا تخلو من العنف اللفظي او الجسدي. كلها عوامل متراكمة في ظل عدم تطبيق بنود عقد العمل ، تؤدي بالعاملة اما الى محاولة الهرب او الى الاقتتال مع اصحاب العمل بهدف المغادرة، وأحيانا تصل الأمور الى حد ارتكاب الجرائم".

 

مقاربة علم النفس 

ومن وجهة نظر نفسية، تشرح أستاذة علم النفس في الجامعة اللبنانية المعالجة النفسية الدكتورة كلود غريّب في حديثٍ لـ"النهار" أبعاد الجريمة الفجائية التي ترتكبها العاملة في حق أرباب عملها. وتقول:

ـ الجنون هو حالة مرضية عضوية ظاهرة على الانسان. وهو لا يصيب انسانا عاقلا بشكل فجائي، بل أسبابه عضوية. ما يعني ان العاملة في حال عانت وضعاً غير سوي، سيظهر ذلك عليها بشكلٍ تلقائي.

ـ الحالة النفسية هي حالة طبيعية تصيب أي انسان نتيجة ظروف معينة يواجهها، كخسارة أحد الأحباء على سبيل المثال، ما يدفعه الى تغليب مظاهر الحزن في سلوكه، وهو عندما يخرج مع الوقت من الحالة النفسية التي يعيشها يتخلص تدريجيا من مظاهر الحزن والضغوط اليومية التي يواجهها.

ـ السبب الأساسي الذي يوتر العلاقة بين العاملة الأجنبية واصحاب العمل، هو اختلاف العادات والتقاليد بين بلدها والبلد المضيف، خصوصا انها تعيش في بلدٍ غريب ولا تتقن اللغة، وتأتي من مجتمع فقير لتعمل كمأمورة. كلها عوامل تفرض عليها تغيير نمط حياتها ما يجعل منها مفترسة. اذ لا يجب الاستهانة بان يقلب الانسان نمط عيشه رأسا على عقب. خصوصا في حال شعرت بالفروقات الاجتماعية بينها وبين مستخدميها خصوصا في حال لم تلق معاملة حسنة من قبلهم.

 

ـ قد تنتج الجريمة التي ترتكبها العاملة الأجنبية عن تحدرها من عائلة لها سوابق في عالم الاجرام على سبيل المثال. وهنا علينا العودة الى كواليس عائلتها لنعلم ما اذا كان سلوك الجريمة عادياً في محيطها. ومن هنا صعوبة اكتشاف ما اذا كانت العاملة تتحدر من محيط شهدت فيه الاجرام، ما يسهل عملية ارتكابها الجريمة. والسؤال الذي يطرح في هذا الإطار: هل يعلم كل من مكتب الاستخدام ورب العمل هذه التفاصيل عن العاملة، خصوصا اننا نتحدث عن مجتمعات فقيرة تعيش في ظروف قد تكون مأسوية، وهي تختلف عن الظروف التي يعيشها المواطن اللبناني. 

ـ قد تتأقلم العاملة مع ظواهر البؤس والفقر التي تعيشه في مجتمعها، حيث الجميع سواسية في الظروف الاجتماعية والاقتصادية، وهي تنتمي الى المجتمع الذي تعيشه. لكن هذه الظروف غير موجودة اصلا في لبنان، على الرغم من ان شريحة واسعة تعاني الفقر، ولكن المجتمع في كليته مختلف عن مجتمعات العاملات الأجنبيات. وهذا ما يدفع العاملة الى مقاربة المجتمع الذي تعيش فيه من منطلق انه مختلف، ما لا يجعلها تتقبل وضعها، ويسيء الى علاقتها بأرباب العمل.

ـ بات وجود الخادمات في بعض المنازل اللبنانية اشبه بموضة، ولا علاقة له بالحاجة الى المساعدة في شؤون المنزل. ما يدفع البعض الى استقدام اكثر من عاملة واحدة لأغراض حب الظهور. وهذا ما يؤجج الفروقات الظاهرة بين العاملات وأرباب العمل.