كثيرا ما تحقق بعض الدول مستويات عالية من التنمية المتواصلة اقتصاديا واجتماعيا وتنعكس على الحياة العامة لمواطنيها كارتفاع مستوى دخلهم وحصولهم على خدمات ورفاه جيدين، ولكن قد تحصل انتكاسات كبيرة بسبب نزاعات معينة تقوض هذه المكتسبات التنموية وتؤدي إلى ضياعها وفقدانها.

النزاعات وخاصة المسلحة منها والتي تسود منطقتنا العربية أدت ولا تزال في تدهور العديد من اقتصاديات الدول العربية وانهيارها، وخسارة كل مشاريع التنمية التي تم العمل على تحقيقها لعدة عقود. فالنزاعات سبب لإهدار الموارد الاقتصادية واضعاف البنى الاجتماعية، وغياب الأمن والسلم في المجتمعات، كما أنها سبب لتشريد ونزوح جماعات من مناطقها، وأحيانا لجوء بعضها إلى خارج أوطانها.

يشير تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2016م إلى أن نفقات الدول العربية العسكرية للفرد خلال الفترة 1988-2014 أعلى من المتوسط العالمي بقدار 65%، ومع أن سكان المنطقة العربية يشكلون 5% من سكان العالم فقط إلا أن حصيلتهم من النزاعات خلال الفترة 1948-2014 تعادل 17،6% من مجمل النزاعات في العالم

ويضيف التقرير أن نازحي الداخل نتيجة هذه النزاعات في المنطقة العربية يشكلون 47% في عام 2014 من مجمل نازحي العالم، وضحايا الهجمات الارهابية 45%، ونسبة اللاجئين من المنطقة العربية في العالم 57،5% خلال نفس العام، وأن نسبة وفيات المعارك في العام نفسه (2014م) بلغت 68،5%

هذه الأرقام المفزعة والصادمة تعكس حالة من الاضطراب وعدم الاستقرار، حيث تمتد آثار النزاعات ليس على الخسائر والأضرار البشرية والمادية المباشرة وإنما على مختلف الأبعاد التنموية كالصحة والتعليم والعمالة والآثار النفسية على الأطفال. والأسوأ من كل ذلك أن المستقبل لا ينبؤ بتوقعات إيجابية لحد الآن، فيشير التقرير إلى أنه من المتوقع أن عدد سكان المنطقة العربية الذين يعيشون في بلدان معرضة للنزاعات مرشح للإرتفاع من نحو 250 مليون نسمة في العام 2010 إلى أكثر من 305 مليون نسمة في العام 2020.

في ظل هذه الصورة القاتمة والمخيفة والمقلقة لمستقبل المنطقة العربية، من الواجب التفكير الجاد في البحث عن وسائل علاجية جادة وناجعة للحد من النزاعات والحفاظ على مكتسبات التنمية التي تحققت في العديد من البلدان العربية. فكما هو واضح أن أي بلد عربي دخل في نزاعات مسلحة انهارات كل بناه التنموية التحتية والفوقية وأصبح يعيش على مساعدات الدول الأخرى لسد حاجاته الضرورية.