يدور الحديث في الأروقة السياسية المحلّية والإقليمية عن تسوية أميركية - روسية قد تُبصر النورَ قريباً وتقضي بتقاسم النفوذ في المنطقة بين هاتين الدولتين العملاقتين
 

منذ أكثر من مئة عام، شهد العالمُ رسمَ خريطة جديدة للشرق الأوسط والدول الأوروبية. يومَها، كانت بريطانيا العظمى وفرنسا المهندستين للتوازنات الدولية، فيما إنسحبت روسيا من الحرب العالمية الأولى بعد انْتصار الثورةِ البولشفية، وعادت واشنطن لاحقاً الى اتّباع سياسة العزلة. أما اليوم فإنّ موسكو موجودة في قلب نزاعات المنطقة والرئيس الأميركي دونالد ترامب يعود، وإن ببطء، الى اللعبة الشرق أوسطية.

يراقب لبنان، هذا البلد الصغير، تطورات الأوضاع الإقليمية والدولية ليرى ماذا سيحلّ به، ومن ضمن أيِّ منطقةِ نفوذٍ سيكون؟ وعلى عكس ما يعتقد البعض، فإنّ لبنانَ يدخل في صلب حسابات الدول الكبرى نظراً لعوامل جيوبوليتيكية عدة منها المعروف ومنها غير المعروف.

وحسب بعض المعطيات والمعلومات، يمكن النظر الى طريقة تعاطي الدول العظمى والإقليمية مع لبنان على الشكل الآتي:

ـ أميركا: يُخطِئ مَن يظنّ أن لا مصالح أميركية في لبنان، حيث يُشكّل هذا البلد قاعدةً آمنة لتحرّكاتها في المنطقة، وقد ظهر الاهتمام الأميركي جلياً من خلال تسليحها الجيش اللبناني ومدّه بالعتاد لمحاربة الإرهابيين وتثبيت الأمن والإستقرار، ولعلّ أهمَّ مؤشر الى الإهتمام الأميركي بلبنان وعدم تركه وحيداً هو بناءُ سفارةٍ جديدة بمبلغ يصل الى المليار دولار، ما يشكّل ضماناً بأنّ الحربَ لن تندلعَ فيه ولن يصبحَ ساحةً للفوضى.

ـ بريطانيا: شكّل الدعمُ البريطاني غيرُ المسبوق والمستمرّ للجيش عاملاً حاسماً في تسييج الحدود وهزيمة «داعش»، وهذا الدعم يترجَم ببناء أفواج الحدود البرّية. ويرى البعض في رغبة لندن حماية الحدود اللبنانية - السوريّة حمايةً لمصالحها في المنطقة.

فمِن جهة هناك إهتمامٌ بريطاني بلعبِ دورٍ في الشرق الأوسط بالتنسيق مع الأميركيين، خصوصاً أنّ الأميركيين تركوا بعض الفراغات بسبب سياسة الرئيس السابق باراك أوباما الذي إنسحب من المنطقة، ومن جهة ثانية هناك خطرُ تدفّق النازحين والإرهابيين الى أوروبا والذي يشكّل عاملاً ضاغطاً، وبالتالي يُعتبر لبنان خطّ الدفاع الأوّل عن أوروبا والمتوسط وأيُّ تسيّب لحدوده سيجعله ممرّاً للإرهابيين الى القارّة العجوز.

ـ روسيا: تواظِب موسكو على حماية أمن لبنان وإستقراره، وهي تُكرّر أنها لن تتدخّل في شؤونه الداخلية وترفض تدخّلَ بقية الدول، لكنّها تعلم جيداً أنّ حصّتَها ستكون سوريا، وهذا ما تريده أصلاً، بينما لبنان هو أقرب دائماً الى الغرب منه الى روسيا، نتيجة تراكماتٍ سابقة لعلّ أبرزَها إتجاه لبنان نحو المحور الرأسمالي في وقتٍ كانت روسيا البلدَ الأمّ للشيوعية العالمية.

ـ فرنسا: تكفي مراقبة الإستقبال الذي نظّمه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للرئيس ميشال عون الذي كان أوّل رئيس دولة يدخل الإليزيه بعد إنتخاب ماكرون لمعرفة مدى الإهتمام الكبير بلبنان الذي يشكّل لفرنسا أكثرَ من بلدٍ حليف، ويبرز ذلك من خلال مؤتمرات الدعم السابقة، والمؤتمرات التي يعتزم ماكرون إقامتها قريباً. ويُخطئ أيضاً مَن يظن أنّ باريس يمكن أن تتخلّى عن موطئ قدَم في الشرق، لأنها إذا فقدت صداقاتها اللبنانية فستخرج من الشرق.

ويعلم الجميع أنّ الدولَ تتصرّف وفق مصالحها، لكنّ العلاقات التاريخية بين فرنسا والموارنة، ومن ثمّ مع جميع الأفرقاء الداخليين تجعلها تتحرّك بسهولة في لبنان الذي يُعتبر من البلدان النادرة التي تدرّس الفرنسية لغةً ثانية بدلاً من الإنكليزية.

ـ السعودية: لا يختلف إثنان على أهمّية العلاقات السعودية - اللبنانية، حتى إنّ المحورَ اللبناني الموالي لإيران يقيم حساباً لتخريب العلاقات أقلّه من الناحية الإقتصادية، إذ إنّ هناك يداً عاملة لبنانية ومصالح في الخليج. ومن الناحية السياسية، هناك علاماتُ إستفهام حول ما إذا كانت الرياض فعلاً تركت لبنان ليكونَ تحت النفوذ الإيراني، أو أنّها ستتحرّك في الوقت المناسب لإعادة التوازن المفقود.

ـ إيران: يكفي ذكر «حزب الله» لمعرفة مدى النفوذ الإيراني في لبنان، لكن يرى كثيرون أنه رغم تخطّي الحزب الحدود اللبنانية والقتال في الخارج، لن يستطيع تغييرَ التركيبة اللبنانية المبنيّة على توازناتٍ دقيقة، مشبوكة مع الخارج، وبالتالي فإنّ مقولة إنّّ إيران سيطرت على لبنان ليست دقيقة، مع أنها صاحبة النفوذ الأكبر بواسطة الحزب.

من خلال سَرد بعض الخطوط العريضة لمصالح الدول في لبنان يمكن إستخلاصُ أنّ لبنان يشكّل محميّة دولية، أو شركة نفوذ، لكل دولة أسهم فيها، خصوصاً أنّ هناك روايات كثيرة تعتبر أنّ سبب إبقاء لبنان آمناً هو لحاجة أجهزة الإستخبارات العالمية الى بؤرةٍ آمنة لتنظيم عملياتها في الشرق الملتهب، كما أنّ لبنان سيشكّل منصّةً لإعادة إعمار سوريا، وهذا يتطلّب حضورَ الجميع فيه، إضافة الى أنّ شركاتِ نفطٍ قد تبدي إهتمامَها بالاستثمار في البحر اللبناني لإستخراج المادة التي سبّبت حروباً كبرى في العالم.