إجبار سكّان سُنّة في محافظة صلاح الدين العراقية على مشاركة الشيعة مراسم إحيائهم لعاشوراء، يرفع منسوب التوتر الطائفي بالبلد خلال هذه المرحلة الحساسة التي يشكو فيها ضعفا شديدا في وحدته الاجتماعية بفعل تآكل عامل المواطَنة وبروز نوازع الانتماء المذهبي والديني والعرقي، وهو ما يتجلّى في مساعي أكراده لتأسيس دولتهم المستقلّة على جزء من أراضيه
 

أجبرت ميليشيات شيعية عراقية سكانا سنّة في مدينة تكريت مركز محافظة صلاح الدين شمالي العاصمة بغداد على الامتناع عن الاحتفال بالمناسبات الخاصّة وإلغاء جميع مظاهر الفرح وإظهار “الحزن” الذي يطبع إحياء الشيعة لذكرى مقتل الحسين بن علي في العاشر من محرّم بالتقويم الهجري، وهو ما يعرف بيوم عاشوراء.

وعلى مدى الأيام الماضية قامت قوات من الحشد الشعبي المكوّن أساسا من ميليشيات شيعية ومن الشرطة الاتحادية بنشر الأعلام والرايات السود في شوارع تكريت ورفع لافتات سوداء وخضراء كتب عليها “يا حُسين” على أعمدة الإنارة في الشوارع.

وأعطى ذلك لسكان محافظة صلاح الديّن مؤشّرا سلبيا على نية الميليشيات ومن خلفها شخصيات وأحزاب شيعية تغيير الطبيعة الدينية والثقافية لعدد من مناطق المحافظة ومدنها والتلاعب بتركيبتها السكانية من خلال منع النازحين عن تلك المناطق من العودة إلى ديارهم.

ومنذ استعادة مدينة تكريت التي هي أحد مواطن سنّة العراق من يد تنظيم داعش، ولها رمزية خاصة نظرا لكونها مسقط رأس الرئيس العراقي الأسبق صدّام حسين ونائبه عزّت الدوري، لا تزال ميليشيات شيعية تشارك في ضبط الأمن في المدينة في ظلّ تذمّر سكانها من ممارسات يصفونها بالطائفية والاستفزازية.

وفي نقاط التفتيش المتعددة ارتفعت مكبرات الصوت وهي تنشد أناشيد حسينية وتتوعد قتلة الحسين بالثأر وتتهجم على من وصفتهم بالنواصب (أي السنة)، فيما قامت عربات للحشد الشعبي بالتجوال في شوارع تكريت وناحية العلم المجاورة وقضاء الدور رافعة صور الإمام الحسين ولافتات تحيي الذكرى وتقدم الأناشيد الحسينية عبر مكبرات الصوت.

ويقول سكان تكريت إنّ إجبارهم على الاحتفال بعاشوراء هو مؤشّر على تغيير طبيعة المدينة وعدّة مناطق ومدن أخرى شارك الحشد الشعبي في استعادتها من داعش ومازال يتمسّك بالسيطرة عليها ومنع سكانها النازحين من العودة إليها رغم انتهاء الحرب.

تصرفات الحشد الشعبي في تكريت نموذج عن الدور السلبي للميليشيات الشيعية التي تحولت إلى جيش مواز
وكانت تكريت من ضمن عدّة مدن سنية احتلّها تنظيم داعش وشهدت حرب شوارع مدمّرة لطرده منها بمشاركة فاعلة من الحشد الشعبي الذي أقدم أثناء الحرب وبعدها على تفجير منازل سكنية وهدم دور عبادة وتخريب مرافق عمومية. وأصبحت مثل هذه الأعمال لصيقة بمشاركة الميليشيات الشيعية في القتال ضد التنظيم المتشدّد، متخذة منحى انتقاميا من سكان تلك المناطق الذين عادة ما يتهمون باحتضان داعش والتواطؤ معه.

وتمارس الميليشيات صلاحيات واسعة في تكريت من بينها احتجاز الأهالي خارج نطاق القانون بذريعة حفظ الأمن والبحث عن عناصر مفترضين من تنظيم داعش.

وتفوق سلطات الحشد الشعبي سلطات القوات المسلّحة العراقية نظرا لقوّة نفوذ قادته من صقور الأحزاب والمنظمات الشيعية الموالية لإيران من أمثال هادي العامري زعيم منظمة بدر، أو قيس الخزعلي قائد ميليشيا عصائب أهل الحق، فضلا عن “السلطة” الروحية والهالة القدسية التي يستمدّها الحشد من الفتوى الدينية التي أنشئ بموجبها والصادرة عن المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني تحت اسم “فتوى الجهاد الكفائي”.

واستشرت في محافظة صلاح الدين ظاهرة اختطاف المدنيين وإخفائهم قسريا حتى بلغ عدد المختطفين أربعة آلاف مختطف ما جعل نوابا بالبرلمان عن المحافظة يطالبون حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي بالكشف عن ملابسات ملف الاختطاف مهدّدين بتدويل القضية.

وهاجم عناصر من الحشد الشعبي الشيعي قاعة للمناسبات في ناحية العلم الواقعة على بعد 15 كلم إلى الشرق من تكريت حيث كان يقام حفل زفاف وأوقفوا الحفل ونعتوا مقيميه بالكفّار وطردوا الحضور بعد أن احتجزوا صاحب العرس وصادروا معدات القاعة، ولم ينته المشهد إلا بعد أن تدخلت قوة تابعة للشرطة الاتحادية، وأخذت تعهّدا من صاحب القاعة بعدم إقامة مناسبات أعراس أو أفراح لمدة أسبوع.

وقد أحدثت تلك التصرفات ردات فعل غاضبة لكن أحدا لم يجرؤ على الاعتراض علانية خوفا من عواقب وخيمة.

ونُقل عن ناجي خالد الموظف الحكومي قوله “إنهم يريدون أن يفرضوا علينا عاداتهم وتقاليدهم ودينهم، وذلك الأمر لن يحصل”. وأضاف “نعم نحن الآن ضعفاء ولكن الأيام تدور وسيلقى الظالم عقابه”. وقال أبوفلاح صاحب محل في شارع الزهور بتكريت “يحاولون فرض دينهم علينا.. ويحدثونك عن احترام حقوق الإنسان وحرية العبادة والرأي وكله مجرد كلام لا قيمة له، إنهم يفرضون علينا دينهم شاء من شاء وأبى من أبى”.

وتقود العراق منذ سقوط نظام الرئيس العراقي الأسبق صدّام حسين أحزاب شيعية موالية لإيران. ويتهمها خصومها السياسيون بالفشل في إدارة شؤون الدولة، وبممارسة سياسات تمييزية أدّت إلى إضعاف عامل المواطنة في البلد وتعظيم عامل الانتماء العرقي والطائفي، وهو ما يفسّر بحسب أغلب المحلّلين إصرار أكراد العراق على تأسيس دولة مستقلّة لهم في إقليمهم بشمال البلاد.