يُلزم القانون الرئيسَ الأميركي دونالد ترامب بتقديم «شهادته» أمام الكونغرس في القضايا الدولية الكبرى المطروحة على الأمّة كلّ ثلاثة أشهر. ولذلك فهو يستعدّ لتقديم واحدة منها حول نظرته إلى مدى التزام طهران بالاتفاق النووي في 10 تشرين الأوّل المقبل. وبما أنّ العقوبات المشدّدة على «حزب الله» قد جاءت قبل أيام عليها، فهل من رابطٍ موضوعي أو بالمصادفة بينهما؟
 

لا يخفى على من يتابع التطورات الأميركية أنّ ترامب يرغب بإدانة إيران واتّهامها بالخروج على تعهداتها والتزاماتها الإقليمية والدولية التي فرضتها عليها واشنطن ومجموعة الدول (5+1) والمجتمع الدولي لاحقاً بما نصّ عليه «اتفاق فيينا» الموَقّع في 14 تمّوز 2015 قبل إحالته ومَلاحِقه إلى مجلس الأمن الدولي للمصادقة عليه تمهيداً لتنفيذه بالتنسيق والتعاون الكامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرّية.

وكما هو معلوم فإنّ هذا الاتفاق ينظّم رفع العقوبات المفروضة على طهران منذ عقود على المستويات الاقتصادية والمالية الأوروبية والأميركية عند بدء تنفيذ الاتفاق النووي، ويَسمح لها بتصدير واستيراد الأسلحة، مقابل منعِها من تطوير صواريخ نووية، وستحلّ محلّها قيود جديدة بعد قبولها بزيارة مواقعها النووية ودخول المفتشين إلى المواقع المشبوهة بما فيها المواقع العسكرية، وعلى الرغم من ذلك سيكون في إمكان طهران استيراد وتصدير الأسلحة على أساس أن تقدّر كلّ حالة بمقدارها.

ومعلوم أيضاً أنّ هذا الاتفاق يأتي استكمالاً لاتفاق لوزان. وهو ما سيؤدّي تدريجاً إلى الإفراج عن جزء من الأرصدة الإيرانية المجمّدة في الخارج. وكلّ ذلك بعدما رسم الاتفاق سقوفاً للمنشآت النووية التي ستستمرّ في العمل، ولن يتوقف أيّ منها أو يجري التخلّص منها. ويسمح لها بمواصلة عمليات التخصيب والأبحاث وتطوير أجهزة الطرد المركزي لمدة عشر سنوات بما يتفق مع خطتِها لأنشطة البحث والتطوير العلمية والاقتصادية الخاصة بالتخصيب. ويَسمح الاتفاق لطهران بتصدير منتجات نووية كاليورانيوم المخصّب.

وينص الاتّفاق أيضاً على حظر الأسلحة الأممي المفروض على إيران خمس سنوات، مثلما سيستمرّ الحظر على مبيعات الصواريخ لمدة ثماني سنوات على إعادة العقوبات على إيران خلال 65 يوماً في حال عدم الالتزام به، ويدعو للسماح بدخول الأمم المتحدة إلى كلّ مواقع إيران النووية.

وبعد عامين وثلاثة أشهر على هذا الاتّفاق يراقب العالم أجمع مواقفَ الرئيس الأميركي التي أطلقها قبل عشرة أيام من على منبر الأمم المتحدة وفي مناسبات أخرى، والذي وصَف فيه الاتفاق مع إيران بـ«أنه الأسوأ» في تاريخ بلاده وأنّه يُحرجها، مؤكّداً أنّه «توصّل إلى قرار نهائي» في شأن هذا الاتفاق، ولكنّه لم يعلن عنه. بعدما ثبتَ لديه أنّ طهران خرجت بعيداً عن التزاماتها بموجب الاتفاق مهدّداً ومتوعّداً باللجوء إلى العقوبات المنصوص عنها وتلك التي تقدّرها بلاده.

وعلى وقعِ الردّ الإيراني السريع على إعلان ترامب لمصادفته مع اعتلاء الرئيس الإيراني حسن روحاني بعد دقائق منبرَ الجمعية العمومية للأمم المتحدة مهاجماً وواصفاً إياه بـ«المارق والجديد العهد في السياسة».

معتبراً أنّ خطابه «عبثيّ وجاهل وحاقد وغير لائق، ولا يتناسق مع مبادئ الأمم المتحدة»، مؤكّداً أنّ إيران ستتصدّى بكلّ حزم لكلّ من ينتهك الاتفاق النووي الإيراني الذي اعتبره «ملك المجتمع الدولي برُمّته».

وإلى ردّ الفعل الإيراني فقد سجَّلت مراجع دولية كبرى رفضها لمواقف ترامب، وأوّلها كانت وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي فريديريكا موغريني التي أكّدت أنه «لا يمكن إعادة التفاوض في شأن الاتفاق»، وأنّ «الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين متّفقون على ضرورة دعمِ الاتفاق مع إيران». فيما دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الحفاظ على هذا الاتفاق النووي لأنه «سيكون من الخطأ التخلّي عنه من دون بديل».

لكنّه اشترَط ضمان قيام رقابة أفضل على الصواريخ البالستية والنشاطات البالستية غير المشمولة باتفاق العام 2015، وفرض إجراءات جديدة لِما بعد العام 2025 لأنّ الاتفاق لا يغطّي الوضعَ ما بعد مهلة السنوات العشر وفتح مفاوضات مع إيران حول الوضع الحالي في منطقة الشرق الأوسط.

وحيال هذه المواقف كانت تقارير ديبلوماسية قد وصَلت من واشنطن قبل أسبوعين تقول إنّ مِن المستبعَد أن يجاري الكونغرس الأميركي ترامب في تطلّعاته إلى هذا التفاهم، وهو يُحمّله «مسؤولية التثبتِ من اتّهاماته وتقديم البراهين الواضحة التي تدعم موقفَه».

لأنّه «ليس لدى الكونغرس ما يؤكّد هذه المزاعم»، ولذلك فإنّ من غير المسموح اللجوء إلى أيّ نوع من العقوبات ما لم توافق عليه مجموعة دول الـ (5+1)، وبالتالي لا يمكنه الكذب عليه وعلى المجتمع الدولي لتبرير أيّ إجراء أميركي غير مقنع.

وإلى هذه الشكوك التي زرعَتها التقارير السابقة، فقد ورَد تقرير في الساعات الماضية من واشنطن يوحي بتبدّلٍ واضح لدى الأكثرية الجمهورية والديمقراطية معاً في الكونغرس، وهو ما عبّرت عنه لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي التي صوَّتت بالإجماع على مشروع قانون يفرض عقوبات إضافية على «حزب الله» تسمح لترامب بفرض عقوبات على أيّ فردٍ أميركي أو مقيمٍ أو أجنبي يعتقد أنه يوفّر دعماً أو تأييداً أو يدعم مصرفياً ومادياً أو أيّ دعم تقني لأيّ من مؤسسات «حزب الله»، معدّداً العشرات منها في مختلف المجالات المالية، التجارية، الإعمارية، الإعلامية، السياسية.

ولذلك فسيكون المُدان معرّضاً لعقوبة تحرمه من نيلِ تأشيرات دخول إلى الأراضي الأميركية، وبإلغائها إنْ وجِدت. كذلك يمكنه أن يرفع حظر إعطاء هذه التأشيرات لمن يدعم «حزب الله» شرط أن يُبلغ إلى الكونغرس قرارَه في فترة لا تتجاوز ستة أشهر.

وحملَ هذا التقرير معلومات جديدة تتحدّث عن بداية تحَوّلٍ في الكونغرس الأميركي يشجّع ترامب على المضيّ في جمعِ الإثباتات ليؤكّد في العاشر من تشرين الأوّل المقبل أمام الكونغرس أنّ شهادته في «السلوك الإيراني» لن تحملَ صفة «شهادة حسن سلوك» وأنّ لديه ما يكفي من الإشارات التي تدعمه، من التجارب الإيرانية في مناوراتها على الصواريخ البالستية إلى خطواتها العسكرية المتشدّدة في سوريا، وصولاً إلى ما كشَف عن تهريب أسلحة صاروخية إلى الحوثيين في اليمن وما بينهما ما يسمّى بتصرّفاتها في السعودية والبحرين ودول أخرى، وكلّها تصبّ في عكسِ ما نصّت عليه التزاماتها السابقة.

وتشير التقارير الواردة من واشنطن إلى أنّ الإجراءات الجديدة في حقّ «حزب الله» هي أولى الإشارات إلى التشدّد الأميركي مع إيران، لأنّ الحزب هو «أحد أذرعتها القوية في المنطقة»، وما هي إلّا أيام لتثبت دقّة هذه المعلومات من عدمها.

علماً أنّه سيكون أمام الكونغرس الأميركي 60 يوماً تُحتسَب من العاشر من الشهر المقبل لتحديد ما إذا كان سيعاود فرض العقوبات التي رُفعت على إيران بموجب الاتفاق المحكي عنه أو العكس.