ما هي هذه الحالات وهل علاجها شافٍ؟
 

تنتشر الـ»هيليكوباكتر بيلوري» (Helicobacter pylori) بشكل واسع في جميع أنحاء العالم. وتُعرف بالجرثومة الخارقة نسبةً لتمكّنها من مقاومة المضادات الحيوية والعيش في المعدة والتكيّف مع الأسيد الذي تفرزه. وفي وقت تظنّ الغالبية أنّ العلاج محتّم وضروري، قد يفاجئكم معرفة أنّ 20 في المئة فقط من الحالات، تتطلّب الحصول على الرعاية الطبّية. فما هي هذه الحالات وهل علاجها شافٍ؟منذ أول عملية زرع ناجحة في المختبر أي قبل 30 عاماً، كانت جرثومة الـ«هيليكوباكتر بيلوري» الشهيرة مصدراً للكثير من النقاش بين الاختصاصيين الطبّيين وغيرهم.

وقد اكتسبت هذه البكتيريا، التي تُعتبر من بين العدد القليل جداً، من الكائنات الحيّة التي يمكن أن تعيش في معدة الإنسان، صيتاً سيّئاً مبنيّاً على أساس بعض المعتقدات غير الصحيحة التي تدور حول هذه البكتيريا من ناحية، وبسبب دور هذه الجرثومة في أمراض المعدة التي قد تصيب الإنسان من ناحية أخرى.

وكانت الدراسات الجينية قد أثبتت أنّ هذه البكتيريا رافقت البشر منذ وجودهم على الأرض، وهاجرت مع الإنسان القديم من أفريقيا إلى أرجاء أخرى من العالم.

ويُعتبر ذلك، من أسباب إنتشارها بشكل واسع في جميع انحاء الارض. فما هي الاسباب التي دفعتنا الآن الى الحذر من هذه البكتيريا بالذات أو من حرب شرسة ومفاجِئة معها؟

الجرثومة الخارقة

في هذا السياق، كان لـ«الجمهورية» حديث خاص مع الاختصاصي في أمراض الجهاز الهضمي والتنظير، وخريج الجامعة الأميركية الدكتور علي محمد شقير الذي استهلّ حديثه قائلاً «هي بكتيريا ذات شكل حلزوني، تأخذ من السطح الداخلي للمعدة مكاناً للعيش والتكاثر، وهي محميّة من الأسيد الحمضي الذي تفرزه المعدة من قبل الطبقة المخاطية التي تغلف جدارها.

وقد تطوّرت على مرّ آلاف السنين التي قضتها في الأمعاء البشرية لتصبح واحدة من أكثر أنواع البكتيريا تكيّفاً للعيش في نظامنا الهضمي، إلى درجة جعلت هذه البكتيريا تستحق وبكل جدارة لقب «الجرثومة الخارقة».

وبعد فترة طويلة من استعمار المعدة، تطوّرت إلى بكتيريا ناجحة للغاية وقابلة للتكيّف، ما مكّنها من الحصول على جميع السمات الضرورية (وتشمل بعض هذه الميزات التباين الوراثي، البقاء على قيد الحياة في الظروف القاسية للمعدة، والتمثيل الغذائي النيتروجيني الخاص) التي تمكّن هذه البكتيريا من العيش والحفاظ على ذاتها في أكثر الظروف قساوةً في جسمنا وهي المعدة حيث تكون مستويات الحمض الأسيدي مرتفعة جدّاً. الى جانب ذلك، تملك وسائل دفاعية تمكّنها من التأثير على الجهاز المناعي للإنسان بشكل يسمح لها في التسبّب بالعدوى المزمنة».

مشكلات المعدة والتقرّح

لم يتم تحديد طرق انتقال العدوى بشكل واضح حتّى الآن، ولم يتمكّن أحد من التعرّف بنجاح الى الخزان الطبيعي لهذه البكتيريا بطريقة محدَّدة. ومن المتفق عليه، أنها تنتقل عن طريق البراز أو عن طريق الفم، وأنها أكثر انتشاراً في البلدان التي يكون فيها مستوى النظافة متدنياً.

تكثر نسبة الاصابة بهذه البكتيريا، فهل تسبّب الهيليكوباكتر بيلوري أمراض المعدة؟ وهل العلاج ضروري؟ يجيب د. شقير «ليس كل مَن يحمل هذه البكتيريا سيتعرّض لأمراض المعدة. في الواقع إنّ غالبية المصابين لا يشعرون حتّى بالعوارض الهضمية.

وهذا هو أحد الأسباب الذي يزيد النقاش حول اختبار فحص الجرثومة أو العلاج. إنّ 20 في المئة من المصابين بهذه الجرثومة معرّضون لمشكلات هضمية كعسر الهضم أو التهاب المعدة أو القرحة، وهذه المجموعة هي التي يجب أن تخضع للعلاج، عكس المجموعة المصابة المتبقّية (80 في المئة)».

أمّا عن سبب إصابة الـ20 في المئة فقط بمشكلات المعدة، فيشير الى أنّ «هذا الموضوع لا يزال قيد الدراسة، ولكنه قد يتعلّق بالعوامل البيئية والعوامل الوراثية. والارتفاع الأخير في عوارض عسر الهضم يخبرنا أنّ العوامل البيئية موجودة وهي قيد التزايد، بما في ذلك تغيير نظامنا الغذائي (وجود المزيد من الوجبات الغربية والوجبات السريعة) والاستخدام العشوائي للمضادات الحيوية في عصرنا.

أما العامل الآخر فيتعلّق بالتغيّر الجيني لهذه البكتيريا، بحيث اكتشفت الدراسات التي أُجريت حديثاً، بعض العوامل التي قد تسبّب في تغيير صفاتها، لتصبح خبيثة وتسبّب الأمراض. وفي حالات نادرة جداً يمكن أن تكون السبب في سرطان المعدة».

الأطفال المعرّضون

ترتفع نسبة الاصابة في البلدان النامية مقارنةً بالبلدان المتقدّمة، وخصوصاً بالنسبة للاطفال، ويلفت د. شقير الى أنّه «بالمقارنة مع البلدان المتقدّمة، فإنّ الأطفال في البلدان النامية ذات المستوى الاجتماعي والاقتصادي المتدني معرّضون لخطر أكبر للإصابة بالبكتيريا الحلزونية (معدل الانتشار: 70 الى 80 في المئة مقارنةً بـ30 في المئة في البلدان المتقدّمة)، ويعود سبب ذلك أيضاً إلى تدنّي مستوى النظافة ومشكلات الصرف الصحّي والرّي الزراعي وتلوّث مصادر مياه الشرب، اضافةً الى انتقالها عن طريق اللعاب».

المعلومات الخاطئة المنتشرة

تَعرف هذه البكتيريا جسمَ الانسان جيداً، ويعتبرها البعض جزءاً من ميكروبيومنا، بسبب انتشارها الواسع والفوائد التي تحملها للانسان مثل تقليل خطر الحساسية، تقليل خطر مرض ارتجاع المريء وسرطان المريء.

فما هي أبرز الأخبار الشائعة التي يتكلّم عنها العالم؟ يوضح د. شقير أنّ «هناك سلالات مختلفة من الهيليكوباكتر بيلوري في جميع أنحاء العالم، وبعضها فقط يسبب الامراض ويدعو للعلاج.

ومن الاعتقاد العام أنّ جميع الإصابات المرتبطة بأمراض المعدة المعوية ناتجة فقط عن وجود هذه الجرثومة، ولكنّ الدراسات الأخيرة رسمت استنتاجاً معاكساً. في الواقع، علاج بكتيريا الحلزونية (أو استخدام المضادات الحيوية بشكل عام) هو الذي يرتبط مع الفَوعَة البكتيرية.

ورغم الدعاية الواسعة حول هذه البكتيريا، فكما ذكرنا سابقاً 20 في المئة فقط من الحالات تحتاج إلى علاج، لذلك لا ينبغي أن يتم الخضوع للاختبار بشكل عشوائي وكذلك للعلاج، من أجل تجنّب المضاعفات والآثار الجانبية الناتجة عن المضادات الحيوية.

وقد أثبتت الدراسات أنّ جسدنا هو في الواقع خليطاً من الخلايا البشرية وغيرها من الكائنات الحيّة الدقيقة، وأنّ بقاءنا ونموّنا يعتمدان على العلاقة التكيّفية مع هذا العدد الكبير من الميكروبيوم، ما يؤكّد أنّ المضادات الحيوية ليست دائماً الحل الأنسب لمشكلاتنا، ونحن في حاجة لقبول فكرة وجود الهيليكوباكتر بيلوري بين البكتيريا الأخرى التي تعيش في جهازنا الهضمي كجزء من الميكروبيوم لدينا، والحفاظ على العلاج بالمضادات الحيوية للحالات المحدودة التي تحتاج فعلاً للعلاج».

هل من علاج فعال؟

تبقى القضية الرئيسة هي معرفة مَن يستحق أن يُعالج، لأنّ اثنين فقط من أصل 10 يحتاجان إلى ذلك. ولكن في حال احتاج المريض للعلاج، فهل يكون فعّالاً؟ بحسب د. شقير «هناك بروتوكولات متعدّدة تحدّد طرق العلاج بواسطة المضادات الحيوية عند الحاجة الى ذلك، وتعتمد على اثنين أو ثلاثة من المضادات الحيوية مع دواء مانع للأسيد.

في الآونة الأخيرة، وبعد انخفاض معدّلات نجاح هذه البروتوكولات بسبب مقاومة البكتيريا لها، يتمّ حالياً العمل على تغييرها للتغلّب على هذه العقبة، عن طريق إضافة العلاج المساعد (مثل البروبيوتيك).

والآن، نعتمد على المؤشرات الكلينيكية والخبرة الطبّية لاتّخاذ قرار بشأن هذا، ولكنّ الطريقة الصحيحة سوف تكون عن طريق إجراء اختبار الميزات الوراثية للبكتيريا، من أجل الكشف عن السلالة التي يمكن أن تكون مرضيّة وخطيرة، ولكن لا يزال هذا الأمر في مرحلة الأبحاث، وسوف يحتاج لبعض السنوات ليصبح أمراً متاحاً».