لم يبُح الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بسر ٍ ، لكنه فقط صحح خطأ فادحاً إرتكبه جميع خصوم الحزب اللبنانيين وتمادوا به طوال السنوات السبع الماضية، وبنوا عليه أوهاماً وأساطير  ساهمت الى حد بعيد في الكثير من الشطط في المواقف اللبنانية  من الازمة السورية.
في لقائه مع قراء العزاء، قال نصر الله، بلغة صريحة ومباشرة ودقيقة ، أنه هو الذي بادر  في بداية الازمة السورية الى لقاء  المرشد الايراني علي خامنئي وإقناعه بالتدخل في سوريا لحماية نظام الرئيس بشار الاسد، وليس العكس ، كما ذكر خصوم الحزب مراراً، ورددوا  شائعات واهية عن أن نصر الله  أستدعي الى طهران  وتلقى الأمر  الصارم من خامنئي بتوجيه وحدات الحزب المقاتلة الى الجبهات السورية فوراً.
كلام صادق، يستند الى إرث طويل من العلاقة التاريخية بين النظام السوري وبين غالبية شيعة لبنان، والتي ترجع الى ما قبل الحرب الاهلية اللبنانية في منتصف سبعينات القرن الماضي، عندما  تماهى إكتشاف الهوية الشيعية اللبنانية مع الهوية الطائفية للرئيس الراحل حافظ الاسد، وتلاقت المعارف والمصالح على التخلص من البندقية الفلسطينية ومن رديفها ، اليسار اللبناني ، وتطورت الى حد  القتال معاً  على مختلف الجبهات اللبنانية، والذي يستكمل الآن وصولا  بالقتال معاً على مختلف جبهات الحرب السورية.
عندما بدأت الثورة السورية، كان هناك ما يشبه الرعب في تلك البيئة الشيعية من خسارة حليف إستراتيجي لا يعوض ، ما يمكن ان يعيد وضع الشيعة في المعادلة الداخلية اللبنانية عشرات السنين الى الوراء، الى الحرمان الحقيقي القديم  من حصص السلطة  ومكتسباتها .  وتحت شعار الذهاب الى سوريا لحماية المقدسات والمزارات، حصل إنفجار هائل  للعصبية المذهبية ، وساد إعتقاد عام، ما زال راسخاً، بان السنة سيذبحون الشيعة عندما يفرغون من العلويين ..
هبت الغالبية الشيعية، ومن دون أوامر  إيرانية طبعاً ، للدفاع عن الذات،  جازمة بأن كل ما كسبته من "إمتيازات" لبنانية مصدره قوة النظام السوري وتدخله المباشر، وليس إعتراف النظام اللبناني بالحاجة الى إنصاف شيعته وإحتوائهم. وإنضم الى تلك الغالبية ، لسوء الحظ، يساريون شيعة سبق ان ذاقوا بانفسهم الأمرين من النظامين معاً وشهدوا بأم العين كيف تآمر النظامان عليهما وأطلقا النار على ظهور المقاومين اللبنانيين والفلسطينيين طوال عقدين من الزمن.
زادت الغالبية التي تمتع بها نصرالله عندما إتخذ قرار الحرب الى جانب النظام السوري، ثم إتسعت عندما بدا أن ذلك النظام نجا من الموت بأعجوبة. وها هي تستعد اليوم للاحتفال بنصر  عسكري  ملموس ..لا ينسبه الامين العام لحزب الله  الى الجيش الاحمر الروسي وقوته الفضائية والجوية والصاروخية العابرة للقارات والمدمرة للحارات السورية، ولا يدخله في الجدل حول مناطق خفض التصعيد في سوريا، وما  هي الخطوات الروسية المقبلة، التي قد لا تنسجم مع تطلعات الحزب ، ولا ربما مع طموحات إيران، بدليل الغارة الاسرائيلية الاخيرة على الموقع العسكري السوري-الايراني قرب بلدة مصياف، والتي طلب رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو  رسمياً من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الإذن لتنفيذها ، وحصل على أكثر  مما طلب.
لم يكن سراً ما كشفه نصر الله ، لكنه كان مجرد نقاش داخلي بينه وبين القيادة الايرانية، التي بدت في المرحلة الاولى من الثورة السورية مترددة في التدخل لدعم نظام شعر بعض المسؤولين الايرانيين بالفعل أنه آيل الى السقوط خلال أسابيع.. قبل ان يتخذ خامنئي قرار التدخل الحاسم بمبالغ قاربت حتى اليوم الخمسين مليار دولار، وبقوات ومليشيات زاد عدد أفرادها على الثمانين ألفاً ، وبرهانات لم يضبطها سوى التدخل الروسي المباشر.  
قال نصر الله الحق، لعله بالغ فقط في قراءة ذلك النصر السوري المفترض .