يُكثّف رئيس الحكومة سعد الحريري زياراتِه الخارجية الى عواصم القرار العالمية، فبعد باريس، يباشر الحريري اليوم رحلتَه الروسية التي سيتوِّجها بلقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين
 

لا شكّ في أنّ روسيا لاعبٌ أساس وكبير في الشرق الأوسط، وقد تزايد دورُها بعد دخولها الحربَ السورية وتغييرِها موازين القوى على الأرض، ومن الطبيعي أن يسعى لبنان الى نسج علاقات معها.

وتتّخذ زيارةُ الحريري لها أبعاداً عدّة في ضوء التغييرات الحاصلة في المنطقة والكلام عن إمكان إنضاج التسوية الإقليمية وترتيب الأوضاع وإعادة توزيع مناطق النفوذ بين القوى العالمية.

وسعى رئيسُ الجمهورية العماد ميشال عون منذ مطلع العام الجاري الى زيارة موسكو ولقاء بوتين، لكنّ هذه الزيارة لم تتمّ حتّى الآن، في حين أنّ بوتين حدّد موعداً للحريري.

وفي هذا الإطار، يكشف أحدُ الديبلوماسيين العاملين في العاصمة الروسية لـ«الجمهورية» عن الأسباب التي أدّت الى تأخُّر زيارة عون وذهاب الحريري قبله، ويلخصها بالنقاط الآتية:

أولاً، الحريري هو إبنُ الرئيس الشهيد رفيق الحريري، والروس لا ينسون دورَ الحريري الأب في مصالحتهم مع العالم الإسلامي ومدِّه جسورَ تحالف وحوار مع الدول الإسلامية الكبرى، حيث استعمل الحريري صداقاته مع الرئيس الباكستاني السابق برويز مشرّف، ورئيس وزراء ماليزيا السابق مهاتير محمد، وهذان البلدان من أكبر البلدان الإسلامية المهمّة، بحيث وقفَ الحريري الأب وراءَ فتح العلاقات مع موسكو، وهذا الأمر ما زال يردّده الروس حتّى الآن.

 ثانياً، إستفاد الحريري الإبن من علاقات والدِه الدولية وتلقائياً مع روسيا، حيث قام بزيارات متكرّرة الى موسكو خصوصاً لتسويق مبادرته الرئاسية الأخيرة، وبنى صداقات مع المسؤولين هناك وباتوا يعرفونه جيداً، وهذا الأمر يسهّل زيارتَه موسكو ولقاءَه بوتين سريعاً.

ثالثاً، لم يتمّ التنسيقُ منذ مطلع السنة لترتيب زيارة عون الى موسكو ضمن الأطر المتعارَف عليها والقنوات الديبلوماسية الرسمية، وبالتالي فإنّ مَن كان يعمل لهذه الزيارة حاول التواصل مباشرة مع الكرملين، ما صعَّب تحديد موعدها سريعاً.

رابعاً، رغم موافقة روسيا على التسوية الرئاسية القاضية بإنتخاب عون ومباركتها أيَّ حلّ لبناني، لا يزال هناك بعض الترسّبات التي حصلت منذ نحو سنتين، خصوصاً بعدما حمّلت روسيا تكتل «التغيير والإصلاح» مسؤولية الفراغ الرئاسي نتيجة مقاطعتِه جلسات إنتخاب رئيس الجمهورية، ووجّهت رسائل ديبلوماسية في هذا الخصوص. لكنّ هذا الأمر بات عابراً ولا يُفسد للودّ قضية.

وأمام هذا الواقع، تأخرت زيارة عون الى روسيا من دون أن تُلغى، في حين أنّ الحريري سيبحث في تطوير العلاقات بين البلدين وتعزيزها من مختلف النواحي، وسيحتلّ الإقتصادُ جزءاً أساساً من الزيارة، خصوصاً أنّ الوفد الوزاري الكبير المرافق له سيُجري محادثات تتناول الملفات كافة.

ومن ناحية تسليح الجيش والقوى الأمنية، فإنّ روسيا تؤكّد دعمَها الكبير للبنان وجيشِه، لكنّ الديبلوماسي يكشف لـ«الجمهورية» أنّ موسكو لا تعطي هباتٍ كبيرة مثل مروحيّات قتالية أو دبابات متطوّرة، إلّا أنّ هذا لا يمنعها من تقديم بعض الأسلحة الخفيفة والمتوسّطة مثل «الكلاشنكوف» وبعض الذخائر، لأنّ الوضع الإقتصادي الروسي لا يسمح بذلك، مع العلم أنّ سوق شراء الأسلحة مفتوح على مصراعيه، ولا مانع لديها من بيع لبنان أسلحة.

أما بالنسبة الى زيارات مسؤولين روس كبار للبنان والمنطقة، فقد علمت «الجمهورية» أنّ المعتمد البطريركي في روسيا المطران نيفون صيقلي سيقيم إحتفالاً في زحلة في 17 الشهر الجاري لمناسبة مرور 40 عاماً على إنتدابه من البطريركية في روسيا، وقدّ وُجّهت دعوة رسمية الى نائب وزير الخارجية وموفد بوتين الى الشرق ميخائيل بوغدانوف لحضور الإحتفال، لكنه لم يؤكّد بعد حضورَه، مع ترجيح عدم حضوره، وبالتالي فإنّ أيَّ زيارة روسية قريبة لمسؤول روسي مستبعَدة راهناً.

وينتظر الجميع ما ستُسفر عنه زيارةُ الحريري وموعدَ زيارة عون المقبلة. وما إذا كان لبنان سيحضر في السياسات الدولية في المنطقة ويكون له دورٌ مؤثّر، مع تأكيد الدول الكبرى أهميّة إنتصار جيشه في معركة الجرود وتحصين الأمن والإستقرار.